الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.. الموت مع وقف التنفيذ

7 يونيو 2024آخر تحديث :
الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.. الموت مع وقف التنفيذ

أمان نافع: قمع متواصل ونقص حاد في الطعام وإهمال طبي وانتهاكات جسيمة بحق الأسيرات
وليد الهودلي: لا حدود للانتقام في سجون الاحتلال ووضع أسرى غزة أشبه بـ”صندوق أسود”
عمر عساف: وحدات متخصصة في القمع والضرب وتجويع ممنهج واكتظاظ شديد داخل الغرف
قدورة فارس: قرارات المؤسسات الدولية ضد إسرائيل تبقى بلا قيمة حقيقية ما لم يتم تنفيذها
عبد الله الزغاري: 5 آلاف معتقل من غزة يعترف الاحتلال بـ4 آلاف وعشرات الشهداء لم يُعلن عنهم
المحامية تالا ناصر: ما يجري يشبه أعمال العصابات وسياسة التجويع بتعليمات من بن غفير

في ظروف صعبة جداً يتم اعتقال المواطنين، ويتعرضون لسياسة انتقامية، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خاصة أسرى قطاع غزة، الذين تمارَس بحقهم جرائم وحشية أدت إلى استشهاد العشرات منهم، علاوة على استشهاد 18 آخرين أعلنت مؤسسات الأسرى أسماءهم.


ويؤكد أسرى وأسيرات سابقون، ومسؤولون في مؤسسات الاسرى، التقتهم “القدس”، أن ما يجري في السجون لم يحصل منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً من المؤسسات الدولية لإيقاف ما يجري.


وتوضح الأسيرة المحررة أمان نافع، التي أُفرج عنها، الثلاثاء الماضي، بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال الإداري، طبيعة الظروف القاسية التي تعاني منها الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، ووصفت الاعتقال بأنه أشبه بالقبر بسبب انعدام وسائل التواصل وسحب إنجازات الحركة الأسيرة، فيما أشارت نافع إلى أن الاعتقال الحالي يعيد أوضاع السجون إلى بدايات الاحتلال، علماً أن هذا الاعتقال الثالث لها، ولم يسبق لها تجربة كهذه، فيما تشير إلى تعامل الاحتلال مع الأسيرات بنفس الطريقة القاسية التي يعامل بها الأسرى، وعدم احترام خصوصيتهن كأسيرات.


وتقول نافع، وهي زوجة عميد الأسرى نائل البرغوثي: “إن ظروف الاعتقال صعبة للغاية، حيث تعرضت معظم الأسيرات للإهانة والضرب والتنكيل، بينما أنا رفضت التفتيش العاري الذي يتم تنفيذه بغرض الإهانة”.


تعاني الأسيرات، وفق نافع، من الاكتظاظ الشديد والقمع المتواصل، إضافة إلى سياسة التجويع حيث نوعية الطعام السيئة، وهي شخصياً خسرت عشرة كيلوغرامات من وزنها خلال ثلاثة أشهر.


تحدثت نافع عن تجربتها الشخصية خلال عملية اعتقالها، حيث رفضت المجندات طلبها بالذهاب إلى الحمام عند بداية الاعتقال، ما أدى إلى مشادة وردة فعل مضاعفة تسببت في تعرضها لوعكة صحية ونقلها إلى المستشفى. تم تقييدها بالسرير في ظروف صعبة، لكنها أصرت على نقلها إلى سجن هشارون رغم ارتفاع ضغط الدم لديها، حيث رفضت التحويل إلى المستشفى مجدداً، وبقيت دون غطاء وفراش.


بعدها نُقلت نافع إلى سجن الدامون، وأشارت إلى الظروف الصعبة التي يعاني منها الجميع هناك، بما في ذلك الاكتظاظ والتجويع والإهمال الطبي. التقت نافع في القسم بالأسيرات من مختلف الفئات، بمن في ذلك نساء حوامل وأمهات معتقلات بتهم التحريض، وأُخريات معتقلات إداريًا دون سبب واضح.


وتشير نافع إلى مشاهدتها أسيرات من غزة تعرضن للضرب والإهانة بشكل عنيف، مؤكدة أن ظروف الاعتقال لأهالي غزة في السجون الإسرائيلية صعبة وقاسية جداً.


وتشدد نافع على أن الأسيرات في السجون الإسرائيلية يعانين من انتهاكات جسيمة وحقوق إنسانية مهدورة، ما يستدعي تحركًا عاجلًا من المنظمات الحقوقية والإنسانية لتحسين أوضاعهن ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.


من جانبه، يوضح الأسير المحرر عمر عساف تفاصيل اعتقاله الأخير في سجن عوفر، مشيرًا إلى أن هذا الاعتقال الذي استمر ستة أشهر بعد السابع من أكتوبر، كان مختلفًا تمامًا عن تجاربه السابقة التي بدأت منذ عام 1978، حيث تعرض للاعتقال عشر مرات بين أحكام فعلية واعتقالات إدارية حتى عام 1995، مؤكداً أن ظروف اعتقاله الأخيرة كانت الأصعب على الإطلاق.


ويوضح عساف أن الاعتقال هذه المرة جاء بعد تفجير أبواب المنزل، وتم اعتقاله وتكبيله بطريقة عنيفة، مشيراً إلى أن الاعتقالات السابقة كانت تتم في كثير من الأحيان دون اعتداء جسدي، بينما شهدت هذه المرة اعتداءات عنيفة على المعتقلين.


ويشير إلى أنه نُقل إلى مركز توقيف عصيون، حيث رأى عشرات الحالات التي تعرضت للإيذاء وتمزيق الملابس والتقييد بالسلاسل، وأجبروا على السير مئات الأمتار تحت الضرب بالعصي، مؤكداً أن ظروف الاعتقال بعد هذه العمليات كانت مختلفة وصعبة، حيث بقي 60 يومًا دون تبديل ملابسه، وكان يُعطى غيارًا صيفيًا واحدًا فقط.


كما تحدث عساف عن الاكتظاظ الشديد داخل غرف الأسرى، حيث كانت الغرفة المخصصة لستة أشخاص تضم 12 شخصًا، مشيرًا إلى أن الأسرى يعانون من نقص حاد في مواد التنظيف، وحين يطلب الاستحمام يعطى كيساً صغيراً فيه 12 غراماً من الشامبو والماء البارد. وتحدث عن التجويع الممنهج ونوعية الطعام غير الصحية، ما أدى إلى فقدانه 29 كيلوغرامًا من وزنه، وهو أمر بات ينسحب على كافة الأسرى.


وتطرق عساف إلى الإهمال الطبي الذي يعاني منه الأسرى، موضحًا أنه أصيب بجروح في الرأس نتيجة سقوطه، ولم يتلق العلاج المناسب إلا بعد ثلاثة أسابيع. كما أشار إلى أن الإهمال الطبي يشمل جميع الأسرى دون اكتراث من الطاقم الطبي وإدارة السجن.


وفيما يتعلق بوحدات القمع، يشير عساف إلى وجود وحدات متخصصة في القمع والضرب، وشاهد دماء نتيجة ضرب الأسرى. كما أكد أن المعتقلين من غزة يعانون من سوء معاملة مضاعفة، حيث يتم تقييدهم طوال اليوم وسحب الفرشات منهم، وإجبارهم على تقليد أصوات الكلاب وسبّ قيادات المقاومة.


ويشير عساف إلى أن هذا الاعتقال كان الأكثر قسوة منذ بداية إقامة السجون بعد احتلال عام 1967، حيث كانت الاعتداءات تحدث فقط خلال التحقيق، أما الآن فهي تحدث يوميًا وطوال فترة الاعتقال. كما أكد أن الظروف الحالية في السجون أسوأ بكثير مقارنة بالسابق، حيث لم يعد هناك راديو أو كتب أو أدوات للكتابة.


ويعرب الكاتب والأديب الأسير المحرر وليد الهودلي عن قلقه الشديد إزاء ما تشهده السجون الإسرائيلية من انتهاكات خطيرة، مؤكداً أن الأوضاع الحالية أسوأ بكثير مما كان عليه الحال في السابق، وحتى مع بدايات الاحتلال.


ويشير الهودلي إلى حالة تجويع لم يسبق لها مثيل وسط إهمال طبي متعمد، عدا أنه تم توثيق حالات اغتصاب، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الاعتقالات.


ويؤكد أن هناك تعمدًا لإهانة الأسرى بتعريتهم وشتمهم وضربهم، ليس بهدف التعذيب الجسدي للحصول على اعترافات، بل للإهانة فقط، بينما الوضع بالنسبة لأسرى غزة أشبه بصندوق أسود، حيث يتعرضون لأسوأ الانتهاكات.


يشير  الهودلي الى أن التعذيب وصل حد الوحشية، حيث إن فرق القمع مشحونة بروح الانتقام نتيجة التحريض الحكومي والإعلامي الإسرائيلي، لافتاً إلى أن التعذيب الحالي يتجاوز الضرب الجسدي إلى التعذيب السادي بغرض الانتقام.


ويلفت إلى أنه قبل 25 عامًا كان هناك قرار محكمة بوقف التعذيب الجسدي حفاظًا على سلوك المحققين أنفسهم وعدم انعكاسه على حياتهم الشخصية، ولكن بعد 7 أكتوبر أُلغيت هذه القوانين، ما أدى إلى ارتكاب جرائم تتجاوز حدود العصابات، مؤكداً أنه لا توجد حدود للانتقام في الوقت الحالي.


ويحذر الهودلي من الانعكاسات الواضحة على الأسرى، الذين تحولوا إلى هياكل عظمية بسبب سوء المعاملة والتجويع. كما حذر من تداعيات نفسية خطيرة وأمراض جسدية خطيرة ستتكشف في الأيام المقبلة.


بدوره، يؤكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس أن الانتهاكات الحالية في السجون الإسرائيلية تفوق ما شهده التاريخ الحديث من قسوة وتعذيب، مشيرًا إلى أن ما يحدث الآن هو انتقام وعقوبات جماعية، وليس مجرد تعذيب منظم للحصول على معلومات.


يوضح فارس أن أسلوب التعذيب قد أخذ أشكالاً جديدة، بعد السابع من أكتوبر، حيث يتم إخفاء أسرى غزة قسريًا كجزء من مقدمات لتنفيذ سلسلة من الجرائم الأخرى، مشيراً إلى أن التعذيب الوحشي بحق أسرى غزة يتم بشكل مكثف وسريع بهدف الحصول على معلومات في زمن قياسي، وأن هذا التعذيب وصل إلى حد قطع أطراف بعض الأسرى بسبب القيود الشديدة التي تقيد أيديهم وارجلهم، بينما قد استشهدوا نتيجة سياسة التعذيب المتبعة.


ويشير فارس إلى اختلاف كبير بين تجربته في الاعتقال خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكذلك تجارب الأسرى في فترة الاحتلال الأولى عام 1967، وبين ما يحدث الآن بعد السابع من أكتوبر.


ويوضح فارس أن الأوضاع الحالية ليس لها مثيل، حيث يعاني الأسرى من تجويع وإهمال طبي حاد أديا إلى انتشار الأمراض الجلدية وفقدان التوازن بسبب نقص العناصر الغذائية الأساسية.


وينتقد فارس دور المنظمات الدولية في التعامل مع هذه الانتهاكات، مشيرًا إلى أن الموقف ليس مجرد صمت، بل وصل إلى حد التواطؤ، مؤكداً أن القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية ضد إسرائيل تبقى بلا قيمة حقيقية ما لم يتم تنفيذها على الأرض.
بدوره، يؤكد رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري أن ظروف الاعتقال بعد السابع من أكتوبر، لم يسبق لها مثيل منذ عقود، مشيرًا إلى أن هذه الظروف طالت كافة فئات الأسرى، وسط تنفيذ اعتقالات وصلت إلى أكثر من 9 آلاف حالة، خصوصًا نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين يتم تحويلهم إلى الاعتقال الإداري.


ويوضح أن هناك حالة انقلاب جذري في التعامل مع الأسرى، تتجلى في السلوك الانتقامي داخل السجون ولحظة الاعتقال، وشملت هذه الانتهاكات التنكيل بالمعتقلين وعائلاتهم، ومصادرة ممتلكاتهم، وتجريدهم من كافة مقتنياتهم داخل السجون، كما تم وقف زيارات الأهالي وزيارات الصليب الأحمر الدولي منذ ثمانية أشهر، وفرض عراقيل على زيارات المحامين للمعتقلين.


ويلفت إلى ارتفاع أعداد الأسرى المرضى وانتشار الأمراض الجلدية، خاصة في سجني النقب ومجدو، ما يزيد من معاناة الأسرى، خاصة المرضى منهم، في ظل انعدام مواد التنظيف.


ويشير الزغاري إلى التغير الجذري في سياسة التجويع، حيث لم يتلق الأسرى أي وجبات صحية، وهبطت أوزانهم بشكل ملحوظ، كما تم التنكيل بهم من خلال تنقلات مستمرة بين السجون.


وتطرق الزغاري إلى ما يحدث من جرائم بحق أسرى قطاع غزة، مؤكداً أن الجرائم بحق أسرى غزة مستمرة، وتشمل سياسة الإخفاء القسري في معسكرات الجيش الإسرائيلي، حيث يوجد عشرات الشهداء الذين لم يُعلن عنهم بعد، في ظل تعذيب وجرائم غير مسبوقة.


ويشير إلى أن الاحتلال يتخذ إجراءات خاصة بحق أسرى غزة، من بينها اعتبارهم “مقاتلين غير شرعيين”، ويعتقل نحو 5 آلاف شخص من غزة يعترف الاحتلال بأربعة الاف معتقل فقط.


ويدعو الزغاري المؤسسات الدولية إلى تحمل مسؤولياتها وتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن هذه الجرائم ووقفها، ومحاسبة مرتكبيها.


من جانبها، تؤكد المحامية تالا ناصر من مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان أن الأوضاع في السجون الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر أصبحت الأسوأ منذ بداية الاحتلال عام 1967، حيث يتعرض الأسرى للضرب الشديد وسط إهمال طبي، ما أدى إلى استشهاد 18 أسير، إضافة إلى عدد كبير من معتقلي غزة.


وتشير ناصر إلى أن الأسرى، خصوصًا من غزة، يتعرضون للإذلال حيث يُجبرون على العواء وتقليد أصوات الكلاب للحصول على الطعام، ويُجبرون على شتم عائلاتهم. ووفق ناصر، يحصل الأسرى على وجبتين سيئتين كماً ونوعاً، ما أدى إلى فقدان الكثير منهم نحو 30 كيلوغراماً من أوزانهم. وأوضحت أن سياسة التجويع تتم بتعليمات مباشرة من إيتمار بن غفير.


وتعاني السجون وفق ناصر، من قلة النظافة، ما أدى إلى إصابة العديد من الأسرى بأمراض جلدية نتيجة عدم توفر مواد التنظيف، مشيرة إلى أن بعض الأسرى اضطروا لحلق رؤوسهم واستخدام معجون الأسنان بعد ستة أشهر بسبب نقص النظافة.


وتلفت ناصر إلى أن هناك أكثر من تسعة آلاف أسير فلسطيني، بدون معتقلي غزة، وفقاً لأرقام مصلحة السجون الإسرائيلية، غالبية هؤلاء الأسرى رهن الاعتقال الإداري.


وتشير إلى أن ما يجري في سجون الاحتلال يشبه أعمال العصابات، حيث يتفاخر جنود الاحتلال بممارسة التعذيب على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعكس ثقافة الإفلات من العقاب.