بقلم: جمال الكشكي
حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عن ضرورة الوحدة والتكاتف والتسامح، بين دول العالم، لمواجهة فيروس كورونا المستجد، جاء في التوقيت المناسب، لما يمثله هذا الوباء من خطر كبير وغير مسبوق، يحاصر العالم.
فلقد أكد سموه أن فيروس كورونا المستجد فيروس صحي، واقتصادي، وسياسي، وإنه لا بد على دول العالم أن تتعاون وتتوحد وتتكاتف لمحاربة أهم عدو للبشرية، وإن الخلافات جميعها تصغر أمام هذا التحدي الجديد، وإن العالم يستطيع التغلب عليه بشكل أسرع إذا وقف القوي مع الضعيف، والغني مع الفقير.
كورونا فيروس أصاب العمود الفقري للعالم، وإن الشفاء منه سيكون له أعراض كبرى لم تتحدد معالمها بعد، لكن المؤكد أن وجه العالم سيتغير، وأن هناك خطاً فاصلاً في قلب العالم لما قبل كورونا، وما بعده.
هذا الفيروس كشف الجميع. العالم غير جاهز. دول كبرى لم تستطع السيطرة عليه. سلطة الفيروس فاقت إمكانيات دول عظمى. الرعب بات ملمحا مشتركا تقرأه على الوجوه. فرقت الثقافات والحضارات بين الدول، لكن كورونا استطاع أن يوحدها حول الإحباط.
الفكرة السياسية في أوروبا تتحطم على صخرة هذا الوباء. التضامن الأوروبي غير موجود. الرأسمالية في انتظار شهادة وفاتها. فواتير الديمقراطية أضحت خسائر بشرية بالغة. جيوش العالم باتت هي الملاذ الآمن في وقت الشدائد، وإن الفوضى التي يمر بها العالم ستكون نتائجها باهظة.
نعم تم عزل العالم. البحث العلمي امتحان رسب فيه مفكرو ومنظرو السياسة. الليبرالية أثقلت كاهل الأطقم الصحية في أوروبا. الارتباك هو سيد الموقف. مناعة العالم أثبتت ضعفها الكامل. إعادة النظر في ترتيب الأولويات، صارت قرارات حتمية.
انهيار البورصات وأسواق النفط سيتبعها تداعيات على الدول والشعوب. العالم في حاجة ماسة إلى حكماء في مختلف المجالات، لا أحد يستطيع أن يغرد بمفرده. ما يحدث أشبه بحرب «جرثومة» تفوق الحربين العالميتين الأولى والثانية، فالعدو الجرثومي هنا غير محدد المعالم، لا تعرف في أي الجبهات يمكن أن تقف لمواجهته. ولا سيما أن انتشاره في العالم لا يعرف حدوداً، ولم ترهبه أنظمة، ولم يفرق بين أغنياء وفقراء.
كورونا ليس هو الوباء الأول، فقد مرت البشرية بأمراض كثيرة، لكن اللافت هنا أن «كورونا» جاء فجأة ليخلع الملابس من فوق جسد العالم، ويكشف عوراته أمام التاريخ، ليسجل تاريخاً لعالم بقوانين، وأعراف وقواعد جديدة.
عام 2020 الذي يشهد هذا الخطر سيتوقف أمامه التاريخ كثيراً، وتظل علامات الاستفهام مطروحة لسنوات عدة.. ماذا؟ ولماذا؟ وأين؟ وكيف؟ متى؟ ومن؟!
الإجابات هنا ليست بالأمر السهل، ربما تختلف التكهنات، وتتباين التحليلات، وتتسابق أجهزة الاستخبارات العالمية حول الوصول إلى إجابة للوصول إلى حقيقة ما حدث للعالم، لكن الإجابة المؤكدة أن كورونا يصنع عالماً مختلفاً، ويعيد ترتيب خريطة العالم. قوى قطبية جديدة، ليست مبالغة إذا قادتنا التحليلات إلى أن العالم سينتصر في مواجهة كورونا، لكنه سيشهد صراعاً دولياً شاملاً.
وهنا أعود مرة أخرى لحديث الشيخ محمد بن راشد حول ضرورة الوحدة والتكاتف والتسامح، والإرادة والأمل، فما تشهده البشرية الآن سيجعل العالم في حاجة إلى إعادة إعمار بسواعد شعوبه وقادته ومفكريه وباحثيه. فيا شعوب العالم اتحدوا قبل الانهيار.
عن “البيان” الإماراتية