أكد مركز حقوق الانسان “بتسيلم” أن جيش الاحتلال لم يقم بتعديل سياسته وروتين عمله اليومي وانتهاكاته المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ظل انتشار وباء كورونا، بل واصل الروتين والنهج وسياسة الاعتقالات والانتهاكات غير الإنسانية وغير القانونية بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلة.
جاء ذلك في التقرير الشهري الذي استعرض فيه المركز روايات الضحايا لتلك الاعتقالات والاقتحامات التي تخللها تفجير أبواب المنازل، وتدمير المحتويات ومصادرة هواتف وسيارات وترويع الأطفال والنساء.
وقال مركز “بتسيلم”: إنه بينما يتوقّف كلّ شيء في العالم عن العمل وروتين الحياة، يُحافظ الجيش الإسرائيلي على روتين عُنف الاحتلال في أنحاء الضفّة الغربيّة، فمنذ 1/ 3/ 2020 إلى 3/ 4/ 2020 اقتحمت قوّات الاحتلال الإسرائيلي مئة منزل في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، واعتقلت خلال هذه الحملات 217 شخصاً، منهم 16 قاصراً من الضفة الغربية فقط. 40% من مجمل المعتقلين، و60% من المعتقلين القاصرين، اعتُقلوا بين 12 آذار و3 نيسان، أي بعد أن شدّدت إسرائيل والسّلطة الفلسطينيّة القيود على الحركة في الضفة لم يتوقف الاحتلال عن اعتقالاته وانتهاكاته.
اقتحامات ليليّة وحشية لـ12 منزلاً
ووثّق باحثو “بتسيلم” الميدانيّون اقتحامات ليليّة لـ12 منزلاً تسكن فيها خمس عائلات، وفي جميع هذه الاقتحامات دخل جنود الاحتلال المنازل باستخدام القوّة، وأفزعوا ساكنيها من نومهم، وفي بعضها حبس الجنود جميع أفراد الأسرة في إحدى غرف المنزل، وقلّبوا أثناء ذلك محتويات بقيّة الغرف، وبعض هذه الاقتحامات استمرّ نحو ثلاث ساعات.
وأوضح “بتسيلم” أنه “من طبيعة الاحتلال في أيّ اقتحام مسلّح ينفّذه جنود بالقوّة في ساعات اللّيل والأُسرة نائمة أن يثير الخوف والرّعب في نفوس أفرادها، لكن حين يحدث هذا في فترة تفشّي وباء الكورونا يُضاف إلى الخوف “المعتاد” خوف آخر: خوف أفراد الأُسرة من الإصابة بالعدوى جرّاء دخول غرباء إلى منزلهم ومكوثهم فترة طويلة. ولا تتلاشى هذه المخاوف مع خروج جنود الاحتلال من المنزل، بل هي تلازم أفراد كلّ أُسرةٍ اقتحم الجيش منزلها أيضاً، خشيةً على من اعتُقل منهم خلال ذلك الاقتحام. ويتضاعف قلق أفراد الأسرة إزاء امتناع الجيش عن إبلاغهم عن مكان احتجازهم، ولا متى من المتوقّع إخلاء سبيلهم.
ووفق التقرير الشهري لـ”بيتسيلم” الذي وثق تعرض عشرات العائلات الفلسطينية للعنف والاعتقال خلال الاقتحامات، نسوق منها ما جرى في 18/ 3/ 2020 خلال اقتحام منزل عائلة الشيخ في رام الله:
في الرّابعة من فجر يوم الأربعاء الموافق 18/ 3/ 2020 اقتحم جنود يرتدون بدلات واقية منزل عائلة الشيخ في رام الله وكان في المنزل آنذاك الأمّ وأبناؤها الثلاثة -أصغرهم طفل في التاسعة من عمره. دخل ثلاثة جنود إلى المنزل، فيما طوّقه 15 آخرون. تنقّل الجنود المقتحمين بين غرفة الأمّ وغرفتي الأولاد، وأفزعوا الجميع من نومهم، بعد ذلك أغلقوا أبواب الغرف ومنعوهم من الخروج.
في غرفة التلفزيون كان ينام الابن عماد (24 عاماً). أيقظه الجنود ووضعوا كمّامة على فمه، ثمّ أمروه بارتداء قفازات، وبعد ذلك كبّلوا يديه خلف ظهره. بعد مضيّ ربع السّاعة غادر الجنود المنزل واقتادوه معهم. أثناء مكوثهم داخل المنزل منع الجنود شقيقته رلى (23 عاماً) من توثيق انتهاكاتهم، وصادروا هاتفها وهاتف شقيقها الطفل (9 أعوام) ولم يعيدوهما.
وحسب التقرير، “لم يُبلغ الجنود الامّ إلى أين يأخذون ابنها، ولكنّ الأسرة علمت في اليوم التالي من “نادي الأسير” أنّه نُقل إلى معتقل كيشون (الجلمة)، وأنّه جرى تمديد اعتقاله مدّة أسبوع في اليوم نفسه. ولاحقاً أطلع “نادي الأسير” الأُسرة أنّ عماد متّهم برشق حجارة، وأنّه نُقل من الجلمة إلى سجن في منطقة النقب، وأنّه وُضع في العزل الانفراديّ عقب أن اتّضح بعد إطلاق سراح أسير كان معتقلًا معه أنّ هذا الأخير مصاب بفيروس كورونا.
واستعرض تقرير “بتسيلم” اقتحام ثلاثة منازل في مخيّم الدّهيشة في محافظة بيت لحم، وقال: “قرابة الخامسة من صباح يوم الخميس الموافق 19/ 3/ 2020 اقتحم نحو عشرة جنود، بعضُهم كان يرتدي البدلات الواقية، ثلاثة منازل في الحيّ الشرقيّ في مخيّم الدّهيشة للّاجئين. خلع الجنود أبواب المنازل، واعتقلوا ثلاثة من ساكنيها: رامز ملحم (23 عاماً) ومصطفى الحسنات (21 عاماً) ويزن البلعاوي (20 عاماً). ألبس الجنود الشبّان الثلاثة بدلات واقية، وكبّلوا أيديهم، واقتادوهم سيراً على الأقدام إلى جيبات عسكريّة كانت متوقّفة في مكان قريب. بعد نحو عشرين دقيقة غادر الجنود المنطقة”.
وأضاف “بتسيلم”: “بعد مضيّ أيّام عدّة أبلغ الصّليب الأحمر عائلاتهم أنّهم اقتيدوا إلى معتقل كيشون (الجلمة)، ووُضعوا رهن العزل لمدة 14 يومًا بسبب تفشّي فيروس كورونا، وأثناء فترة العزل مُنع الثلاثة من التحدّث مع محاميهم، والآن هُم لا يزالون رهن الاعتقال”.
إفادتان: رعبٌ وهمجية
وقال تامر ملحم (25 عاماً) – في إفادة أدلى بها أمام باحث “بتسيلم” الميدانيّ موسى أبو هشهش في 21/ 3/ 2020، واصفاً اعتقال شقيقه رامز: “نحو السّاعة الخامسة من صباح يوم 19/ 3/ 2020 استيقظنا مذعورين على ضجيج هائل نجم عن تفجير باب المنزل ووقوعه على الأرض. اندفع إلى داخل المنزل نحو عشرة جنود، بعضُهم يرتدي بدلات واقية. سألوا عن أخي رامز، وهو طالب جامعي ومعتقل سابق. منعنا الضابط من التحرّك. بعض الجنود الذين يرتدون بدلاً واقية انقضّوا على غرفته وأعطوه بدلة واقية وأمروه بارتدائها”.
وأضاف ملحم: “رأيت رامز يخرج من الغرفة، كبّل أحد الجنود يديه وعصب عينيه، حاول والدي الاحتجاج على الاعتقال بسبب الكورونا وخوفه أن يُصاب أخي بالعدوى، لكنّ الجنود صرخوا عليه وأمروه أن يصمت. حين حاول والدي ووالدتي أن يُمسكا برامز ويمنعا الجنود من إخراجه من المنزل ألقى أحد الجنود قنبلة صوت في صالون المنزل بهدف ترهيبنا”.
وتابع: “راقبنا الجنود عبر النافذة ورأيناهم يقتادون رامز سيراً على الأقدام نحو الحيّ القريب -على بُعد نحو كيلومترين من منزلنا. بعد ذلك علمنا أنّهم اعتقلوا شابّين آخرين من المخيّم، وأيضاً في منزلهما حدث كلّ شيء بسرعة كبيرة خلال بضع دقائق”.
ويُكمل ملحم في إفادته: “بعد مضيّ عدّة أيّام أبلغنا الصّليب الأحمر أنّ الجنود أخذوا المعتقلين إلى معتقل “عتصيون”، ومن هناك نقلوهم إلى سجن الجلمة، ووضعوهم رهن العزل لمدّة 14 يوماً. ومنذ اعتقلوا أخي لم نتمكّن من التحدّث إليه أو زيارته. قال لنا المحامي إنّهم جلبوه إلى المحكمة ومدّدوا اعتقاله. أمّي قلقة جدّاً على أخي، وتخاف أن تصيبه عدوى الكورونا. نحن نحاول طوال الوقت أن نهدئ من روعها، ولكن أنا أيضاً قلق على أخي وعلى والدتي”.
أما إفادة سحر الحسنات (20 عاماً) أمام باحث “بتسيلم” الميدانيّ موسى أبو هشهش عن اعتقال أخيها مصطفى، فجاء فيها:”أُقيم مع أُسرتي: والديَّ وستّة إخوة وأخوات، ونحو الخامسة من صباح يوم 19/ 3/ 2020 استيقظنا عند سماع تفجير ووقوع باب المدخل الرّئيسي في منزلنا. اندفع إلى داخل المنزل نحو عشرة جنود، وعندما اعترضنا على دخولهم العنيف غضب بعضهم وأخذوا يدفعون أخي مصطفى، وبعد ذلك عصبوا عينيه وألبسوه بدلة واقية بيضاء، ثمّ كبّلوا يديه، واقتادوه إلى خارج المنزل”.
وأضافت: نفّذوا كلّ شيء بطريقة عنيفة ولاإنسانيّة، بالرغم من أنّهم مكثوا بضع دقائق فقط، فجّروا الباب واعتدوا على أخي في مثل هذه الظروف، حيث الجميع خائفون بسبب تفشّي وباء كورونا، وعلى الأخصّ في منطقة بيت لحم”.