بقلم: فيصل أبو خضرا
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
في هذا الجو المحموم ، وتأكيد زعيم المستعمرين نتنياهو بأنه سيضم أجزاء واسعة من الأراضي المحتلة، ووسط تكثيف بناء المستعمرات وخصوصا في القدس، وهدم البيوت في جميع انحاء الاراضي المحتلة، والاعتداء على المزارعين وقطع اشجار الزيتون وحملات الدهم والاعتقال، كان رد القيادة الفلسطينية برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس بإعلان التحلل من جميع الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
صحيح ان القرار هام وشجاع وجاء تطبيقا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي، وهو تقدم ايجابي نحو مواجهة مخططات هذا الاحتلال بشكل اكثر فاعلية، ولكن هل يكفي القرار وحده في الوقت الذي يواصل فيه المستعمرون ضم الاراضي وتجريفها وقطع اشجار الزيتون وإقامة المزيد من المستعمرات، وفيما لا يكترث نتنياهو وحكومته بتحقيق السلام او باحترام الاتفاقيات الموقعة؟
ما يحدث اليوم يثبت للشعب الفلسطيني وللعالم أجمع بأن اسرائيل لا تريد السلام وتسعى للضم والتوسع وتكريس احتلالها غير المشروع. كما ان وقاحة الإدارة الامريكية لا حدود لها، سواء بدعم الاحتلال بالمال والسلاح او دعم مخططات الضم والاعتداء على حقوق شعبنا وإجهاض اي توجه حقيقي نحو السلام.
لذلك وأمام التحديات الخطيرة الماثلة أمامنا لا خيار سوى إنهاء الانقسام البغيض والعمل الجاد لإطلاق حراك جماهيري وانتفاضة شعبية في جميع الاراضي المحتلة، وعلى كل من حماس والجهاد التوقف عن استخدام حجج واهية أو وضع شروط لإنهاء الانقسام.
وهنا لا بد من ملاحظة ان أجزاء الوطن الفلسطيني تعيش ظروفا متباينة، فقطاع غزة غير محتل من الداخل بل هو محاصر ظلما من قبل المحتل. اما الضفة والاغوار فهي محتلة ولا يوجد فيها سلاح مثل القطاع. ولكنها إضافة للقطاع وحدة جغرافية واحدة ودولة تحت الاحتلال وهذا احد مكتسبات النضال الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية واتفاق اوسلو. لذلك علينا ان نزن الأمور بكل شفافية لمصلحة الشعب الفلسطيني.
ولذلك من الضروري ان ندرك انه نظرا لتباين ظروف الساحات التي يتواجد فيها الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات فإن لكل ساحة قدرات وطاقات وأساليب مواجهة خاصة بها سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة او القدس او الداخل الفلسطيني او الشتات شريطة ان يكون الحراك في كل هذه الساحات ينطلق من خطة واحدة متفق عليها وبتوجيه واحد وهدف واحد.
وهنا على الجميع ان يعرف ، ان كان عربيا او اقليميا او دوليا بأن هذا الحراك او الانتفاضة فلسطينية من كل القوى والتيارات والأديان، ومسؤولية فلسطينية اولا وليس بقيادة احد غير الفلسطينيين، اما الدعم فهو مطلوب من اي دولة خصوصا عربيا واسلاميا ودوليا دون وضع أي شروط وبالطبع فإن شعبنا قدَّر ويقدِّر مثل هذا الدعم.
نحن نعلم جيدا ان حماس والجهاد لهما ارتباطات اقليمية غير عربية، ولكن ليعلم الجميع بان الشعب الفلسطيني هو الذي يحرر فلسطين وان الفلسطينيين هم الذين يتصدون للعدو، ان كان في الضفة والاغوار او القطاع او الشتات او الداخل ٤٨ ، واخص بالذات المقدسيين الذين يقفون لوحدهم وبصدور عارية
لحماية مقدساتنا الاسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
وعلينا ان لا ننسى الطفل محمد ابو خضير وعائلة الدوابشة الذين استشهدوا حرقاً ً والمقدسيين الذين يستشهدون يومياً، وشهداء غزة وباقي انحاء الوطن والشتات. الشعب الفلسطيني لا يعارض اي احد من غير الفلسطينيين، ولكن ليس من حق احد من قياداتنا التنكر لشهدائنا الفلسطينيين وهم يعدون بالالاف.
ويجب على حماس والجهاد ان يدركا بان الداعم الاكبر للشعب الفلسطيني ، هي الدول العربية جميعا وبالذات المملكة العربية السعودية منذ عهد العاهل السعودي الملك عبد العزيز رحمه الله ثم جميع الملوك من انجاله وصولا الى الملك سلمان بن عبد العزيز اطال الله بعمره، وكذلك مصر التي فقدت الكثير من جنودهاوضباطها دفاعا عن فلسطين. وهناك دعم باقي دول الخليج وكذا الاردن وسوريا ولبنان ودول المغرب العربي، وهذا الدعم بدأ قبل ايران التي اعترفت بإسرائيل في العام ١٩٤٩م ثم مجيء الشاه الذي احتل ثلاث جزر عربية اماراتية ، وبقيت محتلة حتى يومنا هدا.
والآن وفي الوقت الذي تمر فيه قضيتنا الفلسطينية بأخطر المراحل وفيما تتعرض القيادة الفلسطينية برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس لتحريض إسرائيلي سافر لتمسكها بحقوق شعبنا المشروعة ورفضها التنازل عنها وفيما يواصل الاحتلال غطرسته وتنفيذ مخططاته بدعم الادارة الامريكية الصهيونية بقيادة ترامب الجاهل تاريخيا فإن الواجب والمنطق يقتضيان اقصى درجات الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام والالتفاف حول القيادة لما تمثله من صمود وثبات ولما تتعرض له من استهداف . كما يتطلب الوضع الراهن تحركا جديا فلسطينيا موحدا يخاطب العالم بصوت واحد ويواجه هذا الاحتلال الغاشم بموقف واحد .
لقد قام الأخ الرئيس أبو مازن بواجبه ولم يخضع لضغوطات وتهديدات أميركا وإسرائيل وأعلن مواقف مشرِّفة خصوصا قطع العلاقات مع اميركا فور قرار ترامب نقل سفارة امريكا الى القدس واعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال، وصولا الى قرار التحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل وأميركا وشطب التنسيق الامني، وغيره خاصة النضال السياسي والدبلوماسي وما تحقق من انجازات على هذا الصعيد ، ولهذا من الواجب فلسطينيا وعربيا واسلاميا ودوليا الوقوف الى جانب الرئيس والقيادة الفلسطينية.
ويجب ان نشير الى ان التحلل من الاتفاقيات لا يعني بأي حال التنازل او التخلي عما تحقق من انجازات منذ اوسلو حتى اليوم، فهو لا يعني حل السلطة الوطنية او الحكومة. ولا ننسى بان فلسطين تحتضن جميع البعثات العالمية، كما ان ١٣٨ دولة تعترف بها بما فيها اوروبا وروسيا والصين دولة تحت الاحتلال، واصبحت امريكا واسرائيل هما المعزولتين عالمياً. ولهذا لا بد من الحفاظ على هذه الانجازات الى جانب النضال في مواجهة الضم والمخططات الأميركية الإسرائيلية.
ان تكرار نتنياهو قوله بغطرسة ان فلسطين جميعها لاسرائيل من النهر الى البحر ، يعني ان لامجال ابدا للنقاش مع هذا المحتل المتعجرف الذي لم يبق امام شعبنا وقيادته من خيار سوى مقاومته بما تتيحه الشرعية الدولية . ونقول ان شعبنا في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني والشتات قادر على مواجهة هذا الصلف الإسرائيلي وقادر على انتزاع حريته واستقلاله. فشكرا لهذا المتعجرف الذي بق البحصة للذين ما زالوا يركضون وراء المفاوضات، لان هذه اصبحت مزحة يرددها بعض الحالمين بحل الدولتين.
وهنا اريد ان أشير الى انه في إحدى مقابلاتي مع الرئيس حافظ الأسد، رحمه الله، عندما كنت صاحب مجلة المستقبل، قال لي ، بانه بلغ الرئيس المرحوم انور السادات في حينه ان فلسطين مثل قطعة سجاد جميلة ولا يمكن تجزئتها فاما هي لنا او لاسرائيل، وجميع هذه الاجتماعات والقرارات الدولية ضربتها إسرائيل عرض الحائط ورفضت الانصياع لها بدعم من الإدارات الأميركية المتعاقبة بل ان ادارة ترامب صعدت عدوانها ونسفت الكثير من القرارات الدولية.
اننا اليوم امام مرحلة جديدة اصعب من سابقتها ولم يعد لدينا الا سواعدنا وعقولنا ودعم الامتين العربية والاسلامية واحرار العالم، ولذلك علينا ان نحسن اختيار طريق المستقبل ومواجهة الحاضر بكل ما يتطلبه من وحدة وجهود.
وأخيرا لا بد ان أشير هنا الى ملاحظة استوقفتني خلال الايام الماضية وهي تتعلق بهبة الشعب الاميركي في كافة الولايات بعد قيام شرطي امريكي عنصري قبل ايام بقتل شاب أميركي بشرته سوداء ولا زالت الاحتجاجات متواصلة، اما نحن فقد قام الاحتلال مؤخرا بإعدام شابين من ذوي الاحتياجات الخاصة في القدس والداخل بدم بارد ودأب على قتل وجرح واعتقال الاف الفلسطينيين، والرد انحصر فقط بالتنديد في الاعلام الفلسطيني وبعض الفعاليات الاحتجاجية الضعيفة. اليس من العيب ان يتواصل الحال على ما هو عليه ولا يتم الرد على هذا المحتل بعد ان سرق فلسطين جميعها؟ استيقظوا جميعا فمستقبلنا ووجودنا وحقوقنا أمام خطر حقيقي!!
والله المستعان.