بقلم: نبيل عمرو
لم يكن مشروع أوسلو مجرد عملية سياسية تنجح في الوصول الى أهدافها او تفشل، ولم تكن مجرد عملية تفاوضية تنتهي حين يصل المتفاوضون الى طريق مسدود، ليعود كل طرف منهم الى حيث أتى، ليدخل في حالة انتظار اما لعملية انقاذ تأتي من طرف او عدة اطراف أخرى، او لبديل يستحق ان يعتمد في محاولة جديدة تمتلك فرصة افضل.
مشروع أوسلو كان غير ذلك تماما ، فقد بنيت عليه حياة الفلسطينيين من كل النواحي، وتحولت علاقات الامر الواقع المفروض التي اوجدها الاحتلال طويل الأمد الى علاقة تعاقدية هي بالجملة والتفصيل مرتبطة بالطرف الأقوى الذي تقول الاتفاقات والتفاهمات انه لم يعد عدوا بل طرفا اخر.
ولقد قبل الفلسطينيون بذلك لتقدير من قيادتهم بأن كل المزايا التي حصل عليها الطرف الأقوى هي مزايا مؤقتة لا تلبث وان تزول حين تنتهي الفترة الانتقالية المحددة زمنيا بخمس سنوات، ليحل محلها وبصورة تلقائية استقلال كامل يستبدل المؤقت السيء بالدائم الجيد.
لقد بنيت حياة كاملة ومختلفة على أساس أوسلو، وبلغت من التداخل والاندماج مع المحتل حداً في منتهى الغرابة، لا يملك الطرف الفلسطيني فيه أي قدرة على حماية ما منحته له الاتفاقات لو مضى قدما في العلاقة التعاقدية، ولا يملك كذلك الخروج سالما بما لديه لو انسحب من الاتفاقات وعزل نفسه عنها.
هكذا وصل الحال مع إسرائيل. لم تكن الصورة على هذا النحو حين كان مشروع السلام يعمل وحماته وصانعوه من دول العالم يتبنون ويدعمون، اما حين اختفى عرابا المشروع عن الجانب الإسرائيلي رابين بيريس … وحل محلهما عرابا التنصل وتوظيف أوسلو وفق تفسيراتهما أي شارون ونتنياهو، فقد وقعت أوسلو بكل ما لها وما عليها في قبضتهما ووجدا في واشنطن من يسند سياستهما او على الأقل من لا يستطيع وقف اطماعهما او الحد ولو نسبيا منها.
الحالة الان… ان ما بقي من أوسلو هو ما لا يستطيع الطرف الفلسطيني الاستفادة منه فمفاتيح السياسة التفاوضية في يد الإسرائيليين ومفاتيح الحركة والاقتصاد والامن كذلك، وافدح ما خسره الفلسطينيون فوق كل ما تقدم تفكك الجدار الاستنادي المحيط الذي كانوا يلوذون به فبعضه ان كان لا يزال معهم فليس لديه القدرة على مساعدتهم استراتيجيا، وبعضه الاخر تخترقه فجوات التطبيع المرشحة لان تتكاثر وتتسع، وبعضه الثالث ينهار بفعل ظهور قضايا اكثر الحاحا من قضيتهم، فانصرف أصحاب هذه القضايا عنهم حتى صاروا بالنسبة لهم نسيا منسيا.
بقي لدى الفلسطينيين خيار واحد ووحيد يتجسد في خفض الاهتمام بالتسوية التفاوضية الى الحد الأدنى ولا أقول الى درجة الصفر كي لا يتهموا بإدارة الظهر للسياسة المعتدلة التي انتهجوها بما يحمله ذلك من انتقادات دولية هم في غنى عنها فبوسعهم مخاطبة العالم على النحو التالي:
نجدد التزامنا بالسلام الدائم والعادل المستند الى الشرعية الدولية وجميع المبادرات السياسية التي اعلناها والتي وافقنا عليها، والى حين توصل سعاة السلام الى صيغة تنسجم مع ما تقدم، فنحن جاهزون. والى ان يحدث ذلك فإننا سنتوجه بكل امكاناتنا وطاقاتنا الى معالجة أوضاع شعبنا التي تزداد تدهورا يوما بعد يوم وسنعمل على انهاء الجمود والالغاء الذي تعرضت له مؤسساتنا واولها مجلسنا التشريعي وسوف نبدأ فورا بما اعلنه الرئيس محمود عباس امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالشروع في التحضير لاجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية على جميع المناطق الفلسطينية واولها القدس الشرقية، ساعين بذلك الى جعل صندوق الاقتراع أساس نظامنا السياسي والحَكَم العادل في امر استعادة وحدتنا الوطنية، ونطلب من العالم الذي يرى مصالحه في استقرار منشود في الشرق الأوسط ان يساعدنا في هذا الاتجاه الحضاري، بذات القدر الذي يتعين عليه فيه مساعدتنا في الحصول على حقوقنا المستولى عليها كليا من قبل الاحتلال، الذي يجب ان يزول واهم حقوقنا المصادرة تقرير المصير.
ان المهام الأساسية التي انيطت بالسلطة الوطنية هي العناية بشؤون شعبنا الواقع تحت الاحتلال وهذا ما ينبغي التركيز عليه اما الشأن السياسي الاشمل فقد اتفقنا واتفق العالم معنا على ان منظمة التحرير هي المسؤول الأول والاعلى في هذا المجال وستواصل المنظمة جهدها وسعيها بشرعيتها التي يجمع العالم كله على الاعتراف بها، ستواصل عملها الحثيث لصيانة حقوق الشعب الفلسطيني وقيادة هذا الشعب نحو تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة، وذلك بتكامل عضوي فعال مع السلطة الوطنية بكل مكوناتها وامكانياتها.
هذا ما ينبغي ان يكون خطاب المرحلة والأرض التي يقف عليها الجهد الوطني الشعبي والرسمي، فحين نلوذ بشعبنا ونحسن إدارة مقدراته فلن ينال من قضيتنا أي تطبيع من أي جهة جاء ولن ينال من مركزية قضيتنا واهميتها أي تزوير او نشوء قضايا موازية او بديلة.
وللتذكير فقط فمثلما افشلت الانتخابات المحلية التي ارادها الإسرائيليون مدخلا لانهاء الحركة الوطنية الفلسطينية في العام 1976 وتقويض الاجماع الشعبي حول منظمة التحرير، الا ان شعبنا وعبر هذه الانتخابات افرز قيادة وطنية نظيفة قوية وفرت مصداقية هامة لمنظمة التحرير وتمثيلها لكل الشعب الفلسطيني .
ان الانتخابات العامة المنشودة ستكون فعلا جماهيريا وطنيا قادرا على افشال المشروع الإسرائيلي الذي يعمل حثيثا على ايقاظ بدعة روابط القرى مع بعض تعديل في المسمى بحيث تكون خريطة ترمب روابط مناطق لا مكان فيها لابسط الحقوق الوطنية، ولا أي فرص فيها لاقامة دولة حقيقية يريدها الفلسطينيون ولن يقبلوا بما هو دونها.