استيقظ سكان ميانمار، أمس الإثنين، على انقلاب نفذه الجيش على حكومة أونغ سان سو تشي المنتخبة ديمقراطياً، والتي تم اعتقالها مع زعماء آخرين من حزب “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” في مداهمات خلال الساعات الأولى من الصباح.
وأعلن الجيش في بيان بثه عبر محطة تلفزيونية تابعة له إنه قام بتنفيذ اعتقالات لمسؤولين رداً على “تزوير الانتخابات”، وأنه قام بتسليم السلطة لقائد الجيش مين أونغ هلاينغ وفرض حالة الطوارئ لمدة عام. وقال ميو نيونت المتحدث باسم حزب “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية إن سو تشي ورئيس ميانمار وين مينت وزعماء آخرين “اعتقلوا”.
يذكر أن قائد الجيش موجود على قوائم إرهاب عالمية بتهم ارتكاب جرائم ضد مسلمي الروهينجا.
وأعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الإثنين، أن مجلس الأمن سيعقد الثلاثاء جلسة مشاورات طارئة حول انقلاب ميانمار، معربا عن مخاوف أممية بشأن مصير 600 ألف من أفراد أقلية الروهينجا المسلمة في البلد الآسيوي.
وأضاف دوجاريك، خلال مؤتمر صحافي عبر دائرة تلفزيونية: “نخشى على سلامة 600 ألف من (أقلية) الروهينجا (المسلمة) المتبقيين في ولاية راخين (إقليم أراكان – غرب)، بينهم أكثر من 120 ألف شخص محبوسون داخل معسكرات خاصة”. وأردف: “نخشى أن تؤدي التطورات الحالية إلى جعل أوضاع الروهينجا أكثر سوءا”.
وتابع: “كما أن تلك الأحداث (الانقلاب) ستخلف تداعيات سلبية على الجهود الرامية إلى عودة اللاجئين الروهينجا من بنغلاديش إلي ديارهم في راخين”.
ووفقا لإحصاءات أممية، فر أكثر من 900 ألف لاجئ من الروهينجا، معظمهم نساء وأطفال، إلى بنغلاديش، بعد أن شن جيش ميانمار وميليشيات بوذية متطرفة حملة قمع وحشية ضد الأقلية المسلمة في أراكان، منذ أغسطس/ آب 2017.
وفي وقت سابق الإثنين، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، القيادة العسكرية إلى “احترام إرادة شعب ميانمار والالتزام بالمعايير الديمقراطية، مع تسوية أي خلافات عبر الحوار السلمي”.
ورداً على الانقلاب، نشرت صفحة حزب سو تشي على موقع “فيسبوك” تعليقات كتبت مسبقاً تحسباً لوقوع انقلاب، دعت فيها سو تشي الناس للاحتجاج على استيلاء الجيش على السلطة. وتابع البيان أن هذه الإجراءات ستعيد ميانمار “إلى عهد الدكتاتورية”.
وجاء تحرك الجيش قبل ساعات من موعد انعقاد البرلمان للمرة الأولى منذ الفوز الساحق لحزب الرابطة الوطنية في الانتخابات التي أجريت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي اعتبرت بمثابة استفتاء على الحكم الديمقراطي لسو تشي.
وتعطلت اتصالات الهاتف والإنترنت في العاصمة نايبيداو ومدينة يانغون التجارية الرئيسية، وانقطع بث التلفزيون الرسمي بعد اعتقال زعماء حزب الرابطة الوطنية.
وفاز حزب سو تشي بنسبة 83 ٪ من الأصوات في ثاني انتخابات فقط تجرى منذ أن وافق مجلس عسكري على تقاسم السلطة في عام 2011.
وقال الجيش، في إيجاز لاجتماع المجلس العسكري الجديد، إن مين أونغ هلاينغ تعهد بممارسة “نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب ومزدهر بشكل حقيقي”، ووعد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتسليم السلطة للحزب الفائز. ولم يحدد إطارا زمنيا للانتخابات، لكن الجيش قال بالفعل إن حالة الطوارئ سوف تستمر لمدة عام.
وفي بنغلادش، احتفل مسلمو الروهينجا الذين فروا من ميانمار إثر حملة قمع عسكرية قبل ثلاث سنوات، باعتقال سو تش،. وذلك لدفاعها أمام المحكمة الجنائية الدولية في عام 2019 عن جيش البلاد المتّهم بارتكاب فظاعات بحق الأقلية، بما في ذلك عمليات اغتصاب وقتل. وأقام عدد من أبناء هذه الأقلية صلوات خاصة احتفالا بـ”العدالة” التي لقيتها سو تشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وفق أحد اللاجئين في مخيم نايابارا ببنغلادش.
وتوالت الإدانات الدولية، التي بدأت بتصريحات للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي أدان الاعتقالات، وأعرب عن “قلقه البالغ” إزاء انتقال السلطة للجيش. وجاء في بيان تلاه متحدث باسمه: “تمثل هذه التطورات لطمة خطيرة للإصلاحات الديمقراطية في ميانمار” . وأضاف البيان: “يحث الأمين العام قيادة الجيش على احترام إرادة شعب ميانمار والالتزام بالأعراف الديمقراطية، وحل أي خلافات من خلال الحوار”.
ودعا الرئيس الامريكي جو بايدن جيش ميانمار الى إعادة السلطة “فورا”، متوعدا بفرض عقوبات على هذا البلد. وقال بايدن في بيان “على المجتمع الدولي أن يتحدث بصوت واحد لمطالبة الجيش البورمي بأن يعيد السلطة فورا”، لافتا الى أن العقوبات التي رفعت خلال العقد الفائت “بسبب التقدم المحرز لإرساء الديمقراطية” ستكون موضع مناقشة “فورية”، مشيرا الى ضرورة اتخاذ “التدابير المناسبة”.
وأدان مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل استيلاء الجيش على السلطة في ميانمار. وقال بوريل في تغريدة له: “أدين بشدة الانقلاب الذي قام به جيش ميانمار وأدعو إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين” . وألمحت وزيرة الشؤون الخارجية البلجيكية صوفي ويلميس إلى إقدام الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات.
وأدان عدد من الدول الأوروبية وكندا الانقلاب، ودعت الجيش إلى الإفراج عن المعتقلين. كما قال مسؤول بوزارة الخارجية البريطانية إن لندن استدعت سفير ميانمار بعد أن أدان رئيس الوزراء بوريس جونسون الانقلاب.
وعبرت وزارة الخارجية التركية عن قلقها حيال وضع مسلمي الروهينجا قائلةً في بيان: “نأمل ألا يؤدي هذا التطور الأليم إلى تفاقم أوضاع مسلمي الروهينجا، الذين يعيشون في ظروف قاسية في ميانمار” .
كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين: ” نأمل أن تتمكن جميع الأطراف في ميانمار من التعامل مع خلافاتها ضمن إطار الدستور وحكم القانون للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي” . وأضاف أن الصين تسعى للحصول على مزيد من المعلومات بشأن الوضع في ميانمار.
ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا صباح اليوم الثلاثاء لمناقشة الوضع في ميانمار، وفق ما جاء في برنامج عمل الرئاسة البريطانية الحالية للمجلس والذي وافق عليه الأعضاء الإثنين. وأورد البرنامج أن الاجتماع سيكون مغلقا ويعقد عبر تقنية الفيديو.(تفاصيل ص 10)