على “فتح” ان تبدأ بنفسها

9 يونيو 2021آخر تحديث :
على “فتح” ان تبدأ بنفسها
على “فتح” ان تبدأ بنفسها

بقلم: نبيل عمرو

المواصفات التي حددتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لحكومة الوحدة الوطنية المنشودة، هي بالنسبة لأهل الاعتدال والمفاوضات شرط لا غنى عنه كي يستمر الدعم الدولي للسلطة الوطنية وكي تكون منظمة التحرير التي تقودها السلطة عمليا مؤهلة للانخراط في أي جهد تفاوضي بدأ العالم يتحدث عنه بعد الحرب الأخيرة.
اما اهل التشدد والقتال، الذين يواصلون القول ان الحرب لم تضع اوزارها حتى لو صمد وقف اطلاق النار، فمنطقي اذا ما بقي للمنطق لزوم لن يشاركوا في حكومة وفق المقاييس الاعتدالية والدولية وباختصار شديد الامريكية والأوروبية.
الوسطاء الخيرون واهمهم على الاطلاق المصريون، ليس امامهم الا ان لا ييأسوا من توحيد الفلسطينيين، لأنهم يدركون ان بطاقة الدخول الى منتدى التسوية حين أعادة تأهيله يحتم امرا كهذا، ومن دونه فليس امام الجميع سوى التفرج على لف ودوران طويل الأمد داخل دائرة مفرغة.
توحيد الفلسطينيين وبفعل الانقسامات الفادحة التي وقعت في حركة فتح، وكذلك بفعل الذوبان الموضوعي لفصائل منظمة التحرير، والتهميش المطلق لما يسمى بالقوى المستقلة، بفعل ذلك كله يبدو من غير المنطقي التعويل على ان حالة انقسامية كهذه يمكن ان توحدها حكومة جديدة، او يمكن ان تنتج وحدة الكل مع استمرار انقسام المكونات الأساسية على صعيد الوطن.
يسلم الجميع بأن فتح هي العمود الفقاري للحركة الوطنية الفلسطينية، ويسلمون كذلك بالمقولة التي ترقى الى مستوى الحكمة، “ان صلح حال فتح يصلح حال الوطن والشعب والقضية” ، الا ان هذا التسليم البديهي ينبغي ان يقود الى بديهية أخرى مفادها .. على فتح ان تبدأ بنفسها، ومحبو فتح وغالبيتهم من خارج اطاراتها يتساءلون كل يوم وتتساءل معهم القاعدة الفتحاوية العريضة ، هل هنالك خطة او توجه نحو هذه البديهية ام ان الوضع سيبقى على حاله كل قطعة صغرت ام كبرت تدعي انها فتح وتعمل على استقطاب انصار من داخل فتح ولا بأس ان تستقوي بدعامات من خارج فتح ، غير ان هنالك مشكلة أيضا في فتح الاصلية او الرسمية ، فإن الذين بقوا فيها لا يجسدون اتحادا متينا فيما بينهم، وقد رأينا عينات تدل على ذلك منها مثلا الكيفية التي انتجت فيها قائمة فتح الرسمية والتشكيلة التي نجمت عنها وكيف استقبلت باستهجان القواعد الفتحاوية التي صدقت ما قيل لها حول المواصفات النموذجية لقائمتها، فإذا بها أخيرا ترى امرا مختلفا ان لم اقل مناقضا.
وفي الحديث عن الوحدة بصيغة حكومية او غيرها من الصيغ، لا بد من التعريج الى القاهرة حيث الاجتماع الذي سيتم هناك بدعوة من مصر، والحق يقال ان الوسيط المصري في شأن الوحدة الفلسطينية المنشودة يعرف ادق التفاصيل عن الوضع الفلسطيني من داخله ومن حوله، وهو في محاولته الجديدة قرر ان لا ييأس مراهنا على ان المتغيرات الهامة والنوعية التي احدثتها حرب القدس – غزة، لن تعمر طويلا بل قد تتحول الى عكسها ان لم يتوصل الفلسطينيون الى وحدة فيما بينهم، وما تم حتى الان من إنجازات مصرية على أهميتها وحتى صعوبتها تظل الاسهل بالقياس لما هو مطلوب في الأساس.
لقد انجز وقف اطلاق النار وكان في مصلحة غزة، وفُتح ملف التبادل من جديد وهو في مصلحة الفلسطينيين، ويتواصل الان جهد جبار لبلورة تهدئة طويلة الأمد، غير ان الصعوبة التي آمل ان أكون مخطئا حين وصفتها بالمستحيلة تكمن في توحيد الاجندات بين الذين يقاتلون والذين سيفاوضون.
التوحيد الذي اعنيه ليس دمج الطرفين في خيار واحد ولكن ان تنتج صيغة تمتلك إمكانية الاستقرار في المواءمة بين الاجندتين، حتى لو أدى الامر الى التعود على ان الساحة الفلسطينية فيها قيادة ومعارضة، قيادة منظمة التحرير صاحبة اقتراح حكومة الاعتدال المنشودة، ومعارضة حماس للمفاوضات التي يجري الحديث عنها دون القيام بجهد مواظب ودؤوب وحتى قتالي لاحباطها.
الحرب الأخيرة أدت الى خلل واضح في توازن القوى الداخلي، فهل تتواضع حماس ولا تبني الكثير على هذا الخلل؟ وهل تستقيظ منظمة التحرير وعمودها الفقاري فتح من الغيبوبة التي ظهرت خلال الحرب الأخيرة؟
لا يراد للأولى ان تتخلى عن أوراق قوتها فهي لن تصغي لذلك ولا نريد للمنظمة وعمودها الفقاري فتح ان تعود لاستئثارها القديم حين كان التوازن في مصلحتها.
ما يُراد وما ينبغي ان يُفكر فيه جيدا ان لا تأكل اجندة رصيد الأخرى تحت وهم استبدال المواقع واحتكار النفوذ.