مخطط الإصلاح القضائي في إسرائيل… أسبابه وانعكاساته

كتبت حنين العصاه- إسرائيل منذ نشأتها تعاني من معضلةٍ داخليةٍ معقدة وشرخٍ كبيرٍ على جميع المستويات والأصعدة الأمر الذي منعها من الوصول لمرحلة الاستقرار الداخلي النسبي وصعوبة الحصول على الإجماع القومي، وعلى الرغم من محاولة الحكومات الإسرائيلية احتواء الشعب ومحاولة إرضاء جميع التيارات والطوائف والأحزاب، إلا أنها فشلت في النهاية في تحقيق ذلك. ولعل الدليل الذي يوضح على الأقل الشرخ السياسي والديني في الحكومة اليمينية الأخيرة هو المظاهرات الشعبية الحاشدة التي تشهدها شوارع إسرائيل في الآونة الأخيرة والتي لم تشهد لها مثيلاً منذ أعوامٍ عدَّة.


بدأت هذه المظاهرات قبل أربعة أسابيع تحديداً بعد أقل من أسبوع على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث ارتكزت المظاهرة السبتية الأولى في قلب مدينة تل أبيب إضافة إلى مدينتي حيفا والقدس، وشارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، وقد استمرت المظاهرات كل سبت واتسعت رقعتها التي وصلت لمناطق أخرى في إسرائيل كبئر السبع ويافا وغيرها. ويعود السبب الرئيسي وراء هذه المظاهرات إلى مخطط الحكومة اليمينية والذي يسمى بالإصلاح القضائي.


الإصلاح القضائي هو خطة حكومية اقترحها وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، وتنص الخطة على تقويض دور المحكمة الدستورية العليا والحد من صلاحيات الجهاز القضائي، مقابل توسيع دور السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (الكنيست) في القضاء، الأمر الذي من شأنه أن يعطي للحكومة إمكانية إسقاط أو سن للقوانين، كما وتمنح هذه الخطة حكومة نتنياهو والسياسيين فيها السيطرة على لجنة اختيار وتعيين القضاة مقابل إلغاء دور آخرين مختصين في هذا المجال. كل هذا سيقود إلى تراجع مظاهر الديمقراطية في إسرائيل والحريات الفردية والجماعية. ولكن ما هو السبب الخفي وراء كل هذه التغيرات والإصلاحات القضائية التي يصر نتنياهو وحلفاؤه لتطبيقها على الرغم من إيقانه بأن الإسرائيليون لن يقفوا متفرجين أمام مثل هكذا حدث؟


من المعروف أن بنيامين نتنياهو متهمٌ بقضايا الفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشوة، التي من شأنها أن تؤثر على مسيرته السياسية واستدعائه للتحقيق في أي وقت، ولهذا كان لا بد له من ضمان عدم محاكمته بأي طريقةٍ كانت، ويبدو بأن الإصلاح القضائي سيفيده في هذه الواقعة من خلال تقويض دور المحكمة العليا والسيطرة على القضاء الذي يعود بالنفع لصالح نتنياهو وحلفائه، ولكنها في الوقت نفسه قد تقود إسرائيل إلى منحى خطر وانقلاب على الحكم، وهذا بالذات ما يشير إليه المتظاهرون في المظاهرات المعارضة للحكومة.


أما بالنسبة للرأي العام الإسرائيلي نلحظ بأن المتظاهرون يتخوفون من هذه الخطة التي قد تؤدي إلى تهديد وجودي لأمن إسرائيل، كما ويشعرون بالقلق من انحسار مظاهر الديمقراطية وتفشي الدكتاتورية في البلاد، واعتبروا أن هذه الخطة ستؤدي إلى تسيس النظام القضائي، كما وتحمل في طياتها أثراً سلبياً على المجتمع ككل مقابل إعطاء كل الصلاحيات للحكومة سواء من ناحية القوانين أو التشريعات، كما وستزيد حدة الفساد الحكومي وتقود نظام الحكم للانهيار والحد من دور مؤسسات الدولة وحقوق الإنسان. إضافة لكل ذلك قد يتم حصر مظاهر العلمانية في المجتمع الإسرائيلي من خلال إعطاء صلاحيات للمحاكم الدينية واعتماد الحكومة لتشريعات مأخوذة من التوراة.


من ناحية أخرى، هذه الإصلاحات القانونية ستمكّن إسرائيل من سن قوانين جائرة بحق الفلسطينيين، كتوسيع الاستيطان وشرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، والسيطرة على مناطق ج التي بدأت تتعرض لنشاط استيطاني مؤخراً، كذلك قد يتم توسيع وتيرة الانتهاكات المتواصلة على الفلسطينيين، بالتالي سيكون المشهد الفلسطيني في ضوء وجود حكومة يمينية عنصرية فوقية أكثر صعوبة من ناحية التصعيد والقمع.


من الواضح أنه إذا ما استمرت هذه المظاهرات في الأسابيع القادمة بهذا الحشد الكبير ستؤدي إلى إلحاق الأضرار والخسائر في جوانب الحياة المختلفة، الأمر الذي سيضع نتنياهو في مأزق ويجبره على اتخاذ قرارات لتهدئة الأوضاع داخل إسرائيل، فكل الأنظار تترقب ما إذا كان نتنياهو سيكسر إرادة الشعب ويسير في طريق خطته المزعومة، أم سيخضع لمطالب الشعب ويلغي كل الإصلاحات المقررة, أم هل ستتجه إسرائيل نحو خيارٍ ثالث؟

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

حالة الطقس: الأجواء الخماسينية تتعمق اليوم وغدا

توقعت دائرة الأرصاد الجوية أن يتعمق تأثير الأجواء الخماسينية، لذا يكون الجو اليوم الأربعاء، جافا وشديد …