نصف الراتب والانقطاع عن العمل يُعمقان أزمة الموظفين والعمال ويُصيبان الأسواق بالكساد
14 يونيو 2024آخر تحديث :
موظف متقاعد: نصف الراتب لا يكفي المتطلبات رغم تقليص المشتريات وإلغاء تناول الحلويات موظف: نصف الراتب تسبّب بشلل الأسواق وشكّلَ ضربةً موجعةً للعائلات كثيرة الأولاد والالتزامات موظفة: نقتنع بالقليل ونتضامن مع أهلنا في قطاع غزة ونعتصم بالصبر على نوائب الدهر تاجر: مبيعات العيد انخفضت إلى النصف بالرغم من الانتعاش المحدود للحركة التجارية
د. ثابت أبو الروس: استمرار الحرب على غزة وفقدان 200 ألف عامل مصادر رزقهم فاقما الأزمة د. يوسف داوود: تواجه العديد من الأُسَر التزامات مالية متزايدة وديوناً متراكمة ولا تستطيع الاقتراض
رام الله – خاص بـ”ے”- و”ے”- دوت كوم- في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بالمواطنين، تتلاشى بهجة استقبال عيد الأضحى المبارك، أمام تحديات كبيرة في تلبية الاحتياجات الأساسية، خاصة مع انخفاض رواتب الموظفين إلى النصف وكذلك مع استمرار انقطاع عمال الداخل عن العمل، وهو ما أجبر الكثيرين على تقليص المشتريات، فيما اضطر بعض المواطنين إلى الاستدانة أو بيع ممتلكاتهم لتأمين احتياجات العيد. بعد صرف نصف راتب للموظفين مطلع الأسبوع الجاري، انتعشت الأسواق تدريجياً، لكن هذا الانتعاش والحركة التي تبدو نشطة يقتصران، بحسب تجار ومواطنين وخبراء ومحللين اقتصاديين التقتهم “ے”، على شراء الحاجيات الأساسية، وملابس الأطفال وأحذيتهم وألعابهم، فيما يؤكد تجار أن مبيعات العيد تأثرت بشكل كبير، حيث انخفضت إلى النصف مقارنة بالأعياد السابقة، مما لا يكفي لسداد التزاماتهم وتغطية نفقاتهم.
نصف الراتب الذي لا يكفي.. فتحي الحج محمد من نابلس، وهو موظف متقاعد من وزارة التربية والتعليم منذ نحو عام، يؤكد أن نصف الراتب الذي تقاضاه مؤخراً، لا يكفي للتجهيز للعيد، ما اضطره لتقليص الكثير من المشتريات، كما أنه لم يشتر حلويات العيد تضامناً مع غزة، لكن توجد التزامات للحياة اليومية وهي كبيرة. يشير الحج محمد إلى أنه مريض ولا يستطيع العمل، ما قد يضطره للاستدانة مستقبلاً، لكنه متخوف من استمرار الأزمة وأنه قد لا يجد أحداً يستدين منه في المستقبل، ويقول: “إن نصف الراتب لا يكفي لشراء المستلزمات اليومية في ظل غلاء الأسعار”، فكيف لنصف راتب أن يكفي تلبية احتياجات العيد والعيديات في هذه الظروف الصعبة! بدوره، يؤكد الموظف محمد إسماعيل من جنين، الذي يُعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، أنه رغم قدرته هو وزوجته على التحمل، فإنه لا يستطيع حرمان أبنائه من ملابس العيد، ما سيضطره للشراء حتى لو استدان. ويصف إسماعيل نصف الراتب بأنه “دمر الناس والسوق”، حيث ينتظر الجميع الرواتب التي تحرك الأسواق، لكن نصف الراتب يشكل ضربة قاصمة للجميع، مشيراً إلى أن هناك من استدان لتسديد التزاماته اليومية والفواتير، وبعض الموظفين عرضوا سياراتهم وممتلكاتهم الخاصة للبيع رغم انخفاض أسعار بيعها، لكنهم مضطرون لذلك. وفيما يتعلق بالاستعداد للعيد، يقول إسماعيل: “إنني لن أقدم الحلويات هذا العام، مكتفياً بالقهوة، احتراماً لمعاناة أهل غزة”، مشدداً على ضرورة احترام الجرح في غزة الذي لا يزال ينزف.
متضامنون مع غزة.. تُعبّر المواطنة هبة فالح من رام الله عن ألمها لما يحدث في غزة، مشيرة إلى أنها مضطرة لشراء ملابس وأحذية وألعاب لأطفالها، وإن كان ذلك بكميات قليلة، فالجرح في غزة كبير، ويجب احترام معاناة الناس، ولا يمكن تجاهل ما يحدث في غزة، فيما تؤكد هبة فالح أن الأزمة المالية أثرت على الجميع، وكل ما تشتريه عائلتها يكون بالقليل بسبب الظروف الراهنة. في حين، يدعو المواطن كريم عاهد من جنين الأهالي إلى تعويد أبنائهم على الصبر والتحمل، في ظل الأزمات المتتالية التي نعيشها، وكذلك لا بد من الاقتصار على شراء الأساسيات، وعدم شراء الحلويات وتقديمها في العيد، احتراماً لتضحيات أهالي غزة. ويقول: “كيف لنا أن نستمتع بالعيد والناس تفقد أطفالها في غزة، وهناك آلاف الأيتام والأرامل، ومن الناس من لا تجد منزلاً يؤويها، وقد لا تجد طعاماً تأكله!”. ويشير عاهد إلى أنه اعتاد في كل غالبية السنوات الماضية، أن يضحي بخروف أو يتشارك مع أصدقائه وجيرانه بشراء عجل لذبحه كأضحية، لكن هذا العام، لم يتمكن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث إن الأولويات على الحاجيات الأساسية.
انخفاض المبيعات إلى الثلثين بسبب الحرب.. يؤكد المواطن إبراهيم الهندي من مدينة رام الله، وهو تاجر جملة للمواد الغذائية، أن نسبة المبيعات انخفضت إلى الثلثين مقارنة بفترة ما قبل الحرب على قطاع غزة، وهو لا يكفي لسداد الالتزامات المتراكمة، فيما يوضح الهندي أن لديه مستحقات مالية على التجار لا يستطيع تحصيلها، وأن الجميع متأثر بالحرب وتداعياتها. أما التاجر سليم الحلو، فيشير إلى أن مبيعات العيد هذا العام انخفضت إلى النصف مقارنةً بالفترة ذاتها في الأعياد السابقة، ورغم وجود انفراجة بسيطة للتجار في الأيام القليلة قبل العيد، بعد صرف نصف الراتب، وبدء الحركة التجارية، لكن هذه المبيعات لا تكفي لسداد التزامات التجار، سواء من ثمن البضائع أو المصاريف، أو الالتزامات التشغيلية، عن الأشهر السابقة. ويؤكد الحلو أن الإقبال يتركز على شراء المستلزمات الأساسية للعيد، مثل: ملابس الأطفال وأحذيتهم وألعابهم، مشيراً إلى أن الأزمة المالية ألقت بظلالها على قدرة التجار على تغطية نفقاتهم، وما يبيعونه قد يحرك أوضاعهم، لكن أزمتهم تتعمق.
الأزمة المالية حوّلت العيد إلى عبء..
يؤكد المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن العيد، الذي يُفترض أن يكون مناسبة سعيدة، تحوّل إلى عبء مالي كبير في ظل الأزمة المالية الكبيرة التي يعاني منها المواطنون، معتبراً أن الأزمة تتزامن مع المأساة التي يعيشها كل مواطن فلسطيني نتيجة العدوان على قطاع غزة. ويلفت أبو الروس إلى أن التحديات المالية في العيد تشمل الأعباء الإضافية المتعلقة بشراء الأضاحي وارتفاع أسعار الملابس ومستلزمات العيد، موضحاً أن صرف 50% فقط من الرواتب لا يكفي إلا لتلبية الحاجات الأساسية، ما يزيد الأعباء على المواطنين، خاصة 141 ألف موظف في القطاع العام استعدادًا للعيد، مشيراً إلى أن الكثيرين قد يلجأون إلى الاستدانة أو كتابة شيكات مؤجلة أو بيع ممتلكات خاصة، مثل الذهب، لتوفير احتياجاتهم في العيد. ويلفت أبو الروس إلى أن الأوضاع المالية الصعبة تتزامن مع تضرر 200 ألف عامل يعملون في الداخل وتوقفهم عن العمل، ما يفاقم مشكلاتهم، كما أن أصحاب القطاع الخاص يعتمدون بشكل أساسي على العمال في الداخل وموظفي القطاع العام، ما يزيد من عمق الأزمة. ولمحاولة مواجهة الظروف القاسية، يؤكد أبو الروس أهمية التركيز على الاستهلاك الأساسي لتلبية الحاجات الأساسية، مشددًا على ضرورة تشجيع الزراعة المنزلية وتنمية المواهب والحراك التجاري لتوفير دخل إضافي ولو بالقليل، مشددًا على أن الموظف يعاني ولا خيار أمامه سوى التحمل في ظل ضيق الخيارات المتاحة للسلطة الفلسطينية، داعيًا الجميع لتحمل مسؤولياتهم تجاه أنفسهم في هذه الظروف الصعبة.
نصف الراتب له آثار سلبية.. ويؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، د.يوسف داوود أن صرف نصف راتب لموظفي القطاع العام تترتب عليه تأثيرات سلبية، إلا أن تأثير انقطاع عمال الداخل عن العمل بشكل تام يعد أكبر بكثير. ويشير داوود إلى أن حلول عيد الأضحى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة يشكل تحدياً كبيراً، إذ تواجه الأُسر التزامات مالية متزايدة وديونًا متراكمة، ما يجعل من الصعب عليها الاستدانة أو الحصول على قروض لتدبير أمورها. ويوضح داوود أن القطاع الخاص لم يكن بمنأى عن التأثر، حيث تأثرت قدرته على دفع الرواتب، وتكبَّد مزيداً من الخسائر، وفقد هذا القطاع مصدر دخل كبيراً مع تراجع إيرادات موظفي القطاع العام وعمال الداخل، وكل هذه العوامل تجعل الاستعدادات للعيد صعبة. ويشير إلى أن بعض الأسر ربما تتمكن من تجاوز مصاريف العيد بفضل توفيرات سابقة، لكنه شدد على أهمية التركيز على شراء الحاجيات الضرورية فقط وترشيد النفقات، والأصل هو تفهم الناس لظروف بعضهم، خاصة في ظل الخيارات الصعبة التي نواجهها جميعاً، داعياً إلى التكاتف والتعاضد الاجتماعي في هذه الأوقات الحرجة.