حَمَلَ وزير الأمن السابق في حكومة الاحتلال، رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، على حكومة نتنياهو، ودعا لضرورة التخلص من وعي ومفاهيم الماضي من أجل منع كارثة جديدة بعد “طوفان الأقصى”.
وفي التزامن؛ يتصاعد التململ من حالة الانتظار، ويزداد النقاش حول “الضربة الاستباقية”.
في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، صباح اليوم، قال ليبرمان إن حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو هي الأكثر فشلاً في تاريخ حكومات اليهود منذ 2000 عام، لافتاً لاستمرار النزيف بكل الجبهات والمستويات، ومع ذلك فإنها لا تتحمّل مسؤولية عن الكوارث التي وقعت منذ السابع من أكتوبر.
ليبرمان: أغلبية الإيرانيين اليوم ضد النظام الحاكم، وعلينا السعي لإسقاطه، ونحن نعلم أين مراكز القوة هناك
ويؤكد ليبرمان، المعروف بكونه الخصم اللدود لنتنياهو، بعدما كانا صديقين حميمين، أن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل ما زالا عالقين في السادس من أكتوبر، فيما يتصّرف نتنياهو بتباطؤ، ويحاول كسب الوقت، وإطالة أمد الحرب حتى يصل لموعد الانتخابات العامة دون أي إستراتيجية عامة.
ويضيف: “علينا تغيير طريقة التفكير، ومنع الكارثة القادمة. تعاظم قوة العدو يتواصل، ولا أفهم لماذا ينتظر الجميع صواريخ إيرانية تسقط على إسرائيل. ما ثبت صحته في الماضي هو الضربة المانعة الاستباقية”.
وضمن لائحة الاتهام الكبيرة التي يوجهها ليبرمان لنتنياهو، يقول إنه لا يعرف كيف يصوغ صيغة واضحة تدفع إسرائيل إلى شاطئ الأمان.
ويؤكد ليبرمان أيضاً أن نتنياهو لا يعرف كيف ينهي الحرب، وهو يجرجر قدميه، ولا يملك إستراتيجية شاملة، ولا يمكن بناء رؤية إستراتيجية وطنية استناداً على عمليات “جراحية” موضعية، خاصة أن الإيرانيين نجحوا بتوحيد كل الجبهات، ونحن غير قادرين على بناء خطة إستراتيجية منفصلة لكل واحدة من أذرع إيران.
وكان ليبرمان قد اجتمع مع “مراقب الدولة”، وقدّمَ إفادة موسعة حول الفشل الاستخباراتي الكبير، وقال إنه قدّمَ صورة واضحة له تشمل حقيقة ما جرى بالتفصيل، و”كلّي أمل أن تجتمع اللجنة البرلمانية الفرعية الخاصة بالاستخبارات التابعة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وذلك للتباحث في هذه المواضيع المذكورة”.
ما زلنا عالقين بالماضي
وقال ليبرمان إنه من المحظور تمكين جيوش إرهابية أخرى أن تقوم على إسرائيل، ويجب منعها من مضاعفة القوة.
ويتابع: “لجنة التحقيق تستطيع فحص الإخفاقات السابقة، لكن “مراقب الدولة” مسؤولٌ عن مراقبة المنظومة الأمنية والجيش، وعلينا تغيير وجهتنا بناء على تجربتنا في السابع من أكتوبر”.
ويحذّر ليبرمان أيضاً بالقول إنه فيما تبقى إسرائيل دون إستراتيجية واضحة تتزايد قوة العدو يوماً بعد يوم: في سوريا ولبنان يصنعون صواريخ دقيقة، وفي غزة هناك تقارير عن نجاح “حماس” بترميم كتائبها من جديد، وهذا يحدث لأننا لم نغيّر وعينا.
ويتساءل ليبرمان: في أربعة أيام تعرّضت إسرائيل لـ 40 صاروخاً من غزة. وفي الأمس، أعادت إسرائيل 80 جثة فلسطينية، فهل يعقل ذلك! حان الوقت لتغيير كل المصطلحات: احتواء، امتصاص، هدوء.. والانتقال للمبادرة لضربة استباقية مانعة، وفي إيران أغلبية الإيرانيين اليوم ضد النظام الحاكم، وعلينا السعي لإسقاطه، ونحن نعلم أين مراكز القوة هناك، وعلينا حسم إيران، تصفية مشروعها النووي، ونحن نملك قوات ملائمة كمّاً وكيفاً، ويحظر علينا السماح لهم مواصلة مراكمة القوة. وللأسف نحن مشغولون بقضايا داخلية ثانوية كالمحاكم الدينية، بدلاً من مناقشة مواضيع محط إجماع وذات صلة، وصياغة الإسرائيليين وجيشهم في جهد عسكري موحّد. كتبت لرئيس الحكومة، ودعوته لعقد اجتماع يجمع كل رؤساء الأحزاب الصهيونية لإطلاعهم على الواقع مع كل وزراء الأمن السابقين والإصغاء لهم، وعلينا إظهار هذا الوجه الوحدوي. لا حق بالحياة لحكومة نتنياهو، ولكن عندما تضرب المدافع علينا منح الدعم لكل عملية عسكرية”.
ضربة استباقية ستؤدي لحرب
ويتقاطع سفير إسرائيل في واشنطن سابقاً المؤرخ مايكل أورن مع ليبرمان بقوله، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، إن الحل يكم بضربة استباقية تقوم بها أمريكا ضد إيران، معتبراً أن هذا هو الدفاع /الهجوم الأفضل”.
وبذلك يتكاتب أورن، المقرّب من اليمين الحاكم، مع نتنياهو الذي طمع باصطياد أكثر من عصفور في اغتيال القيادي الشهيد إسماعيل هنية في طهران: تعطيل الصفقة، وتعقيد الوضع الراهن، واستدراج الولايات المتحدة لحرب مباشرة مع إيران.
ويعلل أورن دعوته بالقول: “بعدما فهم أعداء إسرائيل من موقف أمريكا المتردد أن الوقت يمضي لصالحهم، ما دفعهم لرفض حلول دبلوماسية.. ضربة أمريكية في إيران ستدفعهم لطاولة المفاوضات”.
بريك: من يدعون لضربة استباقية لا يفقهون ما يقولون لأن تبعاتها خطيرة جداً، فهي تعني حرباً إقليمية من شأنها أن تلحق ضرراً إستراتيجياً بإسرائيل
في المقابل؛ هناك نقاش إسرائيلي واسع حول خروج إسرائيل من هذا المأزق، وحول “الضربة الاستباقية” التي أتقنت تطبيقها إسرائيل في بداية حرب 1967، ومنحتها نصراً واضحاً على العرب، واستخدمت الفكرة باغتيالها القيادي في “الجهاد الإسلامي” تيسير الجعبري في 2022، بعد أربعة أيام من انتظار ردّها وتطبيق تهديداتها بالثأر لاعتقال مهين لبسام السعدي، أحد قادتها في جنين، لكن الظروف اليوم مختلفة ومعقدة أضعاف ما كان في الماضي.
في حديث لذات الإذاعة العبرية الرسمية، أكد الرئيس السابق للقسم الأمني- السياسي في وزارة الأمان الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد أن المطلوب الآن لوقف حالة الانتظار والشلل الاقتصادي والتوتّر الأمني الخطير وتآكل قوة الردع والهيبة وقف الحرب في غزة، والذهاب لصفقة تعيد المخطوفين والنازحين توقف النزيف الدبلوماسي والاقتصادي، والتعاون مع الولايات المتحدة لترتيب موضوع الحدود مع لبنان، وربما التطبيع مع السعودية.
من جهته قال “نبي الغضب” الإسرائيلي، الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، في حديث للقناة 13 إن الحل يكمن بوقف الحرب فوراً، ونزع فتيل التوتر، ومنع المغامرة، والمخاطرة باندلاع حرب مع إيران ومحور المقاومة، لأن إسرائيل غير مستعدة لحرب معها الآن. منبهاً ومحذراً بأن مثل هذه الحرب ستحطّم إسرائيل. كما حمل على قادة الجيش، واتهم بتسويق معلومات كاذبة للإسرائيليين عن تدمير قوة “حماس”.
ويتابع: “ألتقي مع ضباط يعودون من غزة وهم يرسمون صورة مغايرة لتلك التي يروّج لها الناطق العسكري، فهم يؤكدون نجاح “حماس” بالاحتفاظ بقدر كبير من قوتها بفضل الأنفاق، وأن إسرائيل تستنزف داخل القطاع يومياً”.
وشدّد بريك على أن من يدعون لضربة استباقية لا يفقهون ما يقولون لأن تبعات مثل هذه الضربة خطيرة جداً، فهي تعني حرباً إقليمية من شأنها أن تلحق ضرراً إستراتيجياً بإسرائيل.
إيران مرتدعة؟
ينقل المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم، عن صحيفة “واشنطن بوست” التي تقول إن الولايات المتحدة تأمل أنها نجحت بردع إيران عن القيام بضربة واسعة، منوهاً، في المقابل، بأن “حزب الله” ما زال لغزاً ومجهولاً.
ويقول هارئيل، اليوم، ومجدداً، إن واشنطن ترسل رسائل لطهران من خلال سفارة سويسرا فيها، تزامناً مع دفعها مدمرات للمتوسط، لكن الذي يقرر طبيعة التدهور هو رد “حزب الله” ومدى نجاحه وقوة الرد الإسرائيلي عليه.
وينقل هارئيل عن مصادر أمريكية تقول إن أمريكا نجحت بردع إيران ومنعها من رد واسع، وإن نتنياهو يبدي شارات على تليين الموقف في سؤال اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة المخطوفين.
هارئيل: الذي يقرر طبيعة التدهور هو رد “حزب الله” ومدى نجاحه وقوة الرد الإسرائيلي عليه
ويحذر محلل الشؤون الدبلوماسية في القناة 12 العبرية نداف أيال من التورط بحرب طويلة: “إستراتيجياً، استعدادات إسرائيل، وحالة تأهبها، ليست السؤال هنا، بل ردّها على مهاجمتها هو السؤال. عدنا لفترة الانتظار.. انتظار صفقة، انتظار حرب.. ونحن أمام خطر حرب استنزاف طويلة، كروسيا وأوكرانيا”.
يشار، في هذا السياق، إلى أن المؤسسة الأمنية تقرّ بأن الانتظار فعلاً هو جزء من عقاب وحسابات “حزب الله”، كما جاء على لسان حسن نصر الله في خطابه الأخير.
وتنقل مصادر صحفية عبرية عن جيش الاحتلال تقديراته بأن “حزب الله” يبدو ملتزماً بالرد أكثر من إيران، وأنه سيرد أولاً، فيما يبدو الإيرانيون متردّدين حول حجم وموعد الضربة. كما تشير إلى أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل تتفق مع نصر الله: حالة الانتظار والطوارئ في إسرائيل مكسب لـ “حزب الله”، قبل أن تبدأ الهجمة الثأرية.. لكن الجيش لا ينوي تمكين هذا المكسب في الوعي من المساس بجاهزية الاستعداد لضربة استباقية”.