خليل مبروك-إسطنبول
لم يؤخر البرد الشديد ولا سوء الأحوال الجوية الكهل التركي إسماعيل ألتاتاش عن الحضور مبكراً إلى مستشفى جامعة إسطنبول، فالجرح الغائر في قدمه قد يزداد تعمقاً إن لم يخضع لجلسة العلاج بيرقات الذباب.
واعتاد ألتاتاش (56 عاماً) على الحضور إلى مركز العلاج بيرقات الذباب مفضلا إياه على أنواع العلاجات التقليدية الأخرى، خاصة أنه يعاني من جروح عميقة في باطن القدم ناجمة عن داء السكري الذي يتسبب في كثير من الحالات في بتر الأعضاء المصابة بالجرح.
ويعد مركز العلاج بيرقات الذباب في كلية الطب التابعة لجامعة إسطنبول بمستشفى ‘جراح باشا’ الأول والوحيد من نوعه الذي يقدم هذا العلاج، ضمن القفزة الكبيرة التي تشهدها تركيا في مجال الاعتماد على الطب البديل.
فكرة رائدة
لفت الاستخدام الطبي ليرقات الذباب أنظار الأطباء منذ العام 1930، حيث لاحظ مسعفو الجرحى عقب الحرب العالمية الأولى أن الجروح التي توجد عليها اليرقات تشفى بسرعة أكبر من تلك التي لا تتعرض لليرقات.
لكن رئيس المركز الدكتور بولات أردال يقول إن هذا الجهد بقي في إطار البحث العلمي حول الظاهرة دون أن يتحول إلى طريقة علاج فعلية، إلى أن تم افتتاح القسم الذي ينتج يرقات الذباب المعقمة مخبريا للعلاج منذ العام 2007.
وأوضح الطبيب في قسم الأحياء الطبية الدقيقة بجامعة إسطنبول أن المشروع الذي بدأ بدعم حكومي من مؤسسة الأبحاث العلمية والتقنية التركية ‘توبيتاك’، بات محل اهتمام وزارة الصحة التي اعتمدته في بروتوكولاتها العلاجية وضمن توجيهاتها لاستحداث مراكز الطب البديل وتدريسه في متطلبات العلوم الطبية.
وقال أردال للجزيرة نت إن المركز يستقبل المرضى من كافة أنحاء تركيا وبعض المرضى الأجانب، مبينا أن التفكير جار لنقل فكرة العلاج بيرقات الذباب إلى بعض الدول العربية، وإنشاء مركز خاص لعلاج الأجانب.
وأشار إلى أن العلاج بيرقات الذباب أثبت نجاعته في علاج مرض الليشمانيا المعروف عربيا باسم ‘حبة حلب’، حيث ينهي المشكلة جذريا دون أي آثار في غضون أسبوع واحد، بينما يتطلب العلاج التقليدي ما بين 20 إلى 30 يوماً ويترك آثارا مكان التقرح.
ويحمل هذا العلاج أهمية خاصة للاجئين المقيمين في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة على حدود تركيا، وخاصة النازحين السوريين الذين انتشرت الليشمانيا بينهم مؤخرا.
الداء والدواء
وتشهد تركيا طفرة في حركة السياحة العلاجية التي يعتمد جزء كبير منها على العلاج الطبيعي والطب البديل، بينما يعد العلاج بالذباب فكرة شديدة الغرابة بالنظر إلى ما عرف عن الذباب كأحد النواقل الطبيعية الأساسية للأمراض.
وقال الدكتور معتز المحتسب مساعد رئيس المركز إن العلاج بيرقات الذباب يضمن ميزات كثيرة، فهو يعالج جروحا طويلة الأمد ولا أمل في شفائها في بعض الأحيان بطرق العلاج التقليدية.
وأوضح المحتسب للجزيرة نت أن هذا العلاج قليل الكلفة ولا يحمل أي مخاطر أو أعراض جانبية، مؤكدا أن الذين يعانون من كل أنواع الجروح يمكنهم الخضوع لهذا العلاج الذي يصبح أكثر فاعلية في حالات الجروح الكبيرة والعميقة.
بتر الأعضاء
ووفقا للمحتسب فقد وفر العلاج باليرقات بديلا عن بتر الأعضاء التي لا يرجى شفاء جروحها بالعلاج التقليدي خاصة لدى مرضى السكري، موضحا أن التئام الأنسجة والجروح بات يتم في وقت قياسي مقارنة بالعلاج التقليدي.
وقال الطبيب الفلسطيني المقيم بتركيا منذ 18 عاماً، إن أنواعا محددة من يرقات الذباب تُستخدم في هذا العلاج بحيث تتغذى على أنسجة الجرح الميتة وتتوقف عند النسيج الحي، كما تفرز مضادات للبكتيريا فتساهم في تطهير الجرح وتنظيفه وتعقيمه.
وأوضح أن اليرقات تفرز أنزيمات تعمل على ترميم الخلايا وإعادة الدورة الدموية إلى النسيج ليبرأ الجرح.
وتعتمد فكرة العلاج على يرقات نوع من الذباب يتم إنتاجها مختبريا في ظروف معقمة ثم يتم وضعها داخل الجرح, حيث تلتهم هذه اليرقات الأنسجة الميتة وتفرز أنزيمات تساعد على التئام الجرح.
وقد حقق هذا المركز نجاحا كبيرا خلال الفترة الماضية في معالجة الجروح التي يصعب اندمالها, كتلك التي يعاني منها مثلا بعض مرضى السكري وأمراض الدم. nolvadex order express.