جحا وأزمة المواصلات في المدينة

8 مايو 2015آخر تحديث :
جحا وأزمة المواصلات في المدينة
جحا وأزمة المواصلات في المدينة

best price for cialis 5 mg. بقلم: مايك سلمان

كثر الحديث في الاونة الاخيرة على ازمة المواصلات الخانقة في المدينة وأصبحت مصدر تذمر وقلق للمواطن بسبب المشاكل التي تسببها من تأخبر وعدم التزام بالدوام والمواعيد، وعن كيفية ايجاد حل جذري لهذه المشكلة.
فقال جحا في نفسه لقد سئمت الحديث الغير مجدي حول هذا الموضوع، وجاء الوقت المناسب كي ابادر بخطوات عملية بهذا الخصوص، وبعد تفكير عميق توصل الى قناعة تامة بضرورة توقيع عريضة حول هذه المشكلة من اكبر عدد من المواطنين ورفعها للجهات المختصة، على أن يبدأ بتوقيع أبناء حارته، ومن ثم ينتقل الى حارة أخرى وهكذا، حتى يجمع اكبر عدد من تواقيع أبناء المدينة. وفعلا قام بعمل عريضة ودعى كافة ابناء الحي للقاء في ديوان الحارة في نهاية الاسبوع ليطرح عليهم الفكرة لمناقشتها وبهدف حثهم على التوقيع على العريضة.
وفي يوم اللقاء لبى الدعوة غالبية ابناء الحي وكان البعض مستغربين يتسائلون عن سبب هذه الدعوة.
وسأله البعض: ماذا هناك يا جحا وهل الامر يستدعي عمل مثل هذا التجمع؟
فأجابهم جحا: طبعاً يا اخوتي وابناء جلدتي، لقد سعيت الى الدعوة لهذا الاجتماع لمناقشة ازمة المواصلات في المدينة ولرفع عريضة للمسئولين موقعة من عدد كبير من المواطنين نقترح فيها تصوراتنا حول كيفية ايجاد الحلول الجذرية لها. على أن يتم تعيين موعد مع المسئولين ومع الجهات المختصة لمناقشة الامر وتسليمهم العريضة الموقعة؟
وأكمل جحا حديثه قائلاً: تعلمون يا ابناء جيرتي وربعي أن المدينة صغيرة ولا يوجد فيها اكثر من ثلاث شوارع رئيسية وبدل توسيع الشوارع، تعكف الجهات المسئولة على تضييق الشوارع والى توسيع الأرصفة، والى المبادرة لمنع السير في بعض الشوارع بالاتجاهين ( السير باتجاه واحد فقط)، وهذا ساهم في تدوير الازمة الى الشوارع الرئيسية الاخرى والى تفاقم الازمة فيها. اضف الى ذلك تفاقم ازمة الوقت والالتزام بمواعيد الدوام والعمل، وزيادة اعباء استهلاك المحروقات وتكاليفها الباهظة أصلاً.
فقالوا له يا جحا وما هو الحل من وجهة نظرك؟
فقال جحا: ارى أننا بحاجة الى توسيع الشوارع بدل توسيع الأرصفة بطريقة مبالغ فيها على حساب عرض الشارع المخصص للمركبات، والى تنفيذ مشاريع انفاق وجسور لتخفيف الازمة أسوة بالمدن في الدول المجاورة، خاصة وأن عدد السيارات يزداد بتسارع كبير رغم أن شوارع المدينة هي نفسها ولم تزداد متراً واحداً منذ زمن بعيد لا بل اصبحت اضيق وكذلك يتعذر ايضاً شق طرق جديدة في المستقبل لأن مساحة الاراضي المتبقية للتطوير محصورة لا بل معدومة.
فقال له البعض: ان توسيع الأرصفة ضروري يا جحا لتوفير الأمان للمشاة.
فأجابه جحا: لماذا المكابرة؟ كلنا يعلم أن من ادبيات وعادات المشاة المتوارثة عبر الاجيال في مجتمعنا، تفضيلهم السير في منتصف الشارع رغم أن الأرصفة دائما تبقى شبه خاوية.
فقال احدهم بدهشة واستغراب: مهلك يا جحا الا تعلم أن توسيع الارصفة على جانبي الطريق يساهم في حل المشكلة حلاً جذرياً؟
فسأله جحا باستغراب: اوضح لي كيف هذا؟
فأجابه قائلاً: إذا أخذنا بعين الاعتبار عادة المشاة في السير في منتصف الطريق، فإن الارصفة الواسعة تبقى فارغة تاركة بالتالي المجال للمركبات للسير عليها، وبدل من سير سيارة واحدة في مسربها في الشارع، يصبح هناك مجال لسيارتين للسيرعلى مسربي المشاة من جهتي الشارع، وبهذا التفكير الحكيم تكون الجهات المختصة قد ساهمت في حل نصف ازمة المواصلات.
واستغرب آخر بهذا المنطق المقلوب وقال: ما هذا التخريف؟! ان الارصفة عُمِلَت للمشاة وليس للسيارات.
فأجاب جحا: لا عليكم، دعونا نخرج الآن الى الشارع وسنجد المشاة يسيرون فعلاً وسط الطريق وليس على ممرات المشاة وهذه العادة درج عليها أبناء مجتمعنا منذ زمن بعيد، وهي ممارسة وثقافة ونهج تربوي، وإن التغيير يحتاج الى جهد كبير وجماعي وايضاً الى فترة طويلة من الزمن ونحن لا ندري خلالها ماذا سيكون قد حل بنا وبهذه الازمة.
وقال ثالث: انت محق يا جحا وإن أزمتنا في هذه المدينة هي أزمة وعي وعادات وثقافة وتربية ولكن هل لديك حلول منطقية أخرى لهذه المشكلة؟
فقال جحا: اقترحت ايضاً في هذه العريضة وضع ضوابط على المواطنين لمنعهم من اقتناء اكثر من سيارة خصوصية واحدة لكل أسرة، وطالبت فيها فرض رسوم باهظة وجمارك مرتفعة على كل سيارة اضافية وبطريقة تصاعدية، حتى لو حاول صاحب الشأن التحايل على القانون وقام بتسجيل أي سيارة اضافية بإسم احد افراد اسرته الاخرين، وبهذه الطريقة يمكن الحد من ازمة المواصلات.
وفجأة قام احد الحاضرين وهو رب أسرة مكونة من 5 افراد يملك كل فرد فيها سيارته الخاصة به، وحمل ابريق قهوة تم تجهيزه وَوَضْعُهُ مسبقاًعلى طاولة جانبية، واتجه نحو الطاولة التي وضع جحا عليها العريضة وقال: خذ يا جحا هاك توقيعي ودلق الابريق وما يحتويه من القهوة على العريضة وأضاف قائلاً: هذه المرة اكتفي برشق القهوة على العريضة ولكن اذا حاولت عمل عريضة اخرى بهذا الخصوص فإني سأرشقها بشيء آخر، وغادر الديوان وهو يتمتم متهكماً ولحق به جميع الحاضرين وهم يقولون اتفقنا جميعا على الا نتفق.
فنظر جحا حوله فوجد رجلاً وحيداً بقي جالس مكانه في الديوان فتوجه نحوه ليشكره ويثمن موقفه، معتبراً بقاءه تأييداً لما تم طرحه في العريضة.
وقال جحا في نفسه: التغيير دائما يبدأ بشخص، ومشوار الالف ميل يبدأ بخطوة، ومد يده ليصافح الرجل ويشكره على موقفه ولكنه تفاجأ بأنه رجل أخرس واطرش. فضحك ضحكة عميقة وصرخ قائلا: ” طول عمرك يا زبيبة…… ” اي تغيير نبحث عنه، ببشركم عمر احوالنا ما تتصلح.