صبحي حديدي
قبل أيام تسربت إلى بعض المواقع الإلكترونية رسالة خطية قيل إنّ هيلاري رودام كلينتون، الطامحة إلى بطاقة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة، وجهتها إلى حاييم صبان، الملياردير الأمريكي اليهودي، من أصل مصـــري، وأحد أساطين الاستثمارات العملاقة في مسلسلات وأفـــلام هوليوود.
ورغم أنّ المرء، ذا العقل الطبيعي والرشد البسيط، يتوجب ألا يُفاجأ بأيّ مستوى ـ فظيع، مذهل، منحطّ، مبتذل، منفلت من كلّ ضابط ـ في مقدار انحياز ساسة أمريكا لإسرائيل؛ فإنّ رسالة كلينتون بلغت الذروة، حقاً، في تحطيم الأرقام القياسية لكلّ ما في النعوت السابقة من قبح وبشاعة.
«بصراحة شديدة، إسرائيل لم تلقن حماس درساً ثقيلاً كافياً، السنة الماضية. كان أوباما، ضمن مراعاة الشكل، قاسياً على حليفتنا الديمقراطية، وناعماً جداً مع عدوّنا الإسلامو ـ فاشي. حين أكون رئيسة، سوف أمنح الدولة اليهودية كلّ الدعم الضروري، العسكري والديبلوماسي والاقتصادي والمعنوي، الذي تحتاجه للانتصار الفعلي على حماس ـ وإذا اقتضى ذلك قتل 200.000 من أهل غزّة، فليكنْ هذا»؛ كتبت كلينتون في رسالتها. فقرة لاحقة تقول: «نحن الديمقراطيين الواقعيين نفهم أنّ الضرر المجاور نتاج جانبي لا يمكن تفاديه في الحرب على الإرهاب؛ وأن أكون أمّاً، وجدّة، ومدافعة لا تلين عن حقوق الأطفال، أمر لا يعني أن أتردد قيد أنملة في السماح لإسرائيل يتدمير كلّ منصّة صواريخ، متخفية تحت اسم مدرسة، في غزّة. أولئك الذين يسمحون لأطفالهم أن يُستخدموا كدروع بشرية للإرهابيين، يستحقون رؤيتهم مدفونين تحت قنابل من عيار طنّ».
قيل، إلى هذا، أنّ كلّ ما خرجت به حملة كلينتون الرسمية، في الردّ على التسريب، هو أنّ الرسالة انطوت على خطأ طباعي: 20.000، بدل 200.000! وحتى تتضح معطيات أخرى ملموسة، كأن تتسرّب نسخة فوتوكوبي من الرسالة، حين يشاء صبان نفسه مثلاً؛ نعرف أنّ كلينتون كتبت للملياردير نفسه رسالة أخرى ـ علنية تماماً، هذه المرّة ـ تدين فيها حركة مقاطعة إسرائيل، وتعتبرها عائقاً أمام السلام، ومؤذية للإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء؛ ولهذا فإنها تتعهد بتنظيم جهد أمريكي عابر للأحزاب، يهدف إلى «محاربة كلّ محاولات مماثلة لعزل إسرائيل ونزع الشرعية عنها». وإذْ رفضت أيّ وجه للمقارنة بين إسرائيل ونظام الأبارتيد العنصري في جنوب أفريقيا، كتبت كلينتون: «إسرائيل ديمقراطية نابضة بالحياة في منطقة تهيمن عليها الأوتوقراطية، وتواجه تهديدات لوجودها. وفي زمن يتضمن صعود العداء للسامية على نطاق العالم، خاصة في أوروبا، فإننا بحاجة إلى ردع الجهود الحثيثة الساعية إلى تشويه ونسف إسرائيل الشعب اليهودي». وهكذا، في المقابل المنتظَر، قدّم صبان تبرعات سخية بالملايين، دخلت صندوق حملة كلينتون، واعداً بمزيد من الملايين، قبل أن يعلن أنّ كلينتون هي «المرشح الأفضل لإسرائيل».
وقد يقول قائل، بحقّ، إنّ الوعود الانتخابية لا تُلزم إلا مَنْ يصدّقها، لولا أنّ هذا المستوى الدنيء من إغداق الوعود يتجاوز مناورات السياسة وألعاب الحملات، إلى إضافة الإهانة على جراح الآلاف من أبناء غزّة الشهداء، وأسرهم وأحبائهم؛ كما يحرّض، جهاراً، على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب. وفي نهاية المطاف، لا غريب هنا إلا الشـــيطان، كما يقول المثل الشعبي الشائع؛ وتراث كلينتون ـ منذ أن كانـــت السيدة الأولى في ولايتَي زوجها، مروراً بمنافسة باراك أوباما على بطاقة الحزب الديمقراطي، وموافقتها على تولّي منصب وزيرة الخارجية في ولاية الأخير الأولى، وصولاً إلى الترشيح الراهن… هو إرث متصل، ومتواصل، من ألاعيب الدناءة.
وفي كتابها «التاريخ الحيّ» تروي كيف مرّت على آل كلينتون حقبة كان فيها الكلب «بَدي» هو الوحيد المستعدّ لمعاشرة عميد الأسرة، بيل. وأمّا في الجوهر الخفيّ خلف هذا الإقرار العائلي، فإنّ السيدة كلينتون كانت خير مَنْ استفاد من فضيحة زوجها مع المتدربة مونيكا لوينسكي؛ إذْ أنها تصرّفت بذكاء سياسي وسيكولوجي وإعلامي فائق، وسحبت البساط من تحت قدمَيْ الرجل المستسلم أمام كلّ السكاكين، ثمّ استأثرت بصورة الزوجة ـ الضحية التي كبرت على جراحها وتطلعت إلى أمام وإلى بعــيد، أي إلى ما هو أسمى من الفضيحة ذاتها. وحين كان الزوج لا يعرف من أين تأتيه الطعنات، كان نجم الزوجة يصعد ويصعد، وكانت المحامية السابقة الطامحة ترنو إلى سدّة أخرى: مبنى الكابيتول، ثمّ البيت الأبيض… رئيسةً هذه المرّة، لا سيّدة أولى فحسب.
لا جديد تحت الشمس، إذاً، ما خلا أنّ الكلب «بدي» قد لا يقبل من سيدته/ الوحش؛ كلّ هذا التعطش إلى دماء غزّة/ الجميلة الأميرة!
صبحي حديدي order tadafil from india.