عامر حجازي ــ ِلحبات الرمل رائحة حياة وللريحِ ملامح حريةٍ تنثر صدى حكايات في أرجاء صحراءِ عرب الرشايدة تلك البيئة شبه المنسية، التي تقبع على هامش المدن والأرياف، وتجاور المدنية والحياة الحديثة لبيت لحم والخليل. بيئة تزخر ِبمُثلها وعادات أهلها ، وتحتفظ بملامحها وملامحهم المميّزة التي تجعلهم مختلفين كإختلاف الطبيعة التي يسكنون عليها ، لكنها في الوقت نفسه بيئة مفتوحة على التغيير، إذ داهمها العمران الحديث الذي أرغمها على “النزول” من “قوقعة الرمال” وحياتها المغلقة شبه المنسية، إلى الاختلاط بالآخر رغم افتقارها للبنية التحتية ووعورة شبكة الطرق التي توصلك الى البحر الميت وانعدام خدمة الاتصالات واهتراء شبكة المياه .
ليلة كاملة كفيلة ان تعرف حياة البداوة برفقة “ابو سليمان و ابو اسماعيل ” صاحب الحظ الاوفر من القادمين على القرية ، اذا يملك خيمة سياحية ُمعدة بكل التجهيزات التي اعتاد عليها السائح الاجنبي و الريفي والمدني في حياته ، وهو الوكيل الحصري والمحطة السياحية في الصحراء عرب الرشايدة لدى مسار ابراهيم الخليل ، الذي كان له الباع الاطول عن طريق برامجه في الدعم المادي والمعنوي له .
أما ابو سليمان “طال عمره ” صاحب الربابة والسمسمية أحيا تلك الليلة على طريق أنغامه التي استهوت مسامعنا من المعنى والحس الذي يحاكيه صوته في جلسات التعليلة والافراح البدوية التي ترغمك على الانسجام لها ، وبين كل مقطوعة وأخرى يستحضر لنا الحوادث التي تعنى بشخصه ويسرد لنا بصورة انتقائية قصصه مع الفنانين الاردنيين ، والعسكري أبوعرب الذي حاول لي ذراعه ، والصورة التي التقطها مع الشهيد “ابوعمار” بعد ان قدم له قصيدة من تأليفه في رام الله .
كلها صور تعطيك ان للصحراء شخصياتها وابطالها التصقت بهم ، يستغرب الزميل الصحفي ” وجدي” من الفتى “اسماعيل ” في العشرينيات من عمره الذي كان يرافقنا من البرية الى البحر الميت من الساعة 2 فجرا حتى السادسة صباحا مشياً على الاقدام ، دون كلل رغم صغر سنه وحداثة زواجه الاول ، وهو يحدثنا في ظلام الرمال الواسعة عن التفاصيل التي تسكن هذه الطبيعية وأسمائها كالابار والسيول والتي لم نسمع بها ، و الجمال والاغنام والصقور والغزلان والكلاب وعن رواية النمر الفلسطيني وحقيقية وجوده من عدمه .
مرت الساعات التي سجلناها بتفاصيلها في عقولنا وفي شرائح عدساتنا عن هذه الصحراء والبحر الذي سرنا اليه بلهفة لرؤية ارتطامه بشروق الشمس التي تعطيك صورةً عن هذا الفضاء وكواكبه .