finasteride 1 mg online pharmacy. كتبت دينا علي أبودية بإشراف: د. زياد بني شمسية استاذ الأدب والنقد
جامعة بيت لحم / دائرة اللغة العربية .
ما حلَّ بنا، وكيف لنا أن ننبش قبورنا بأيدينا، كيف للإنسانِ أن يكون ظالمَ نفسهِ ومؤرِّق ليلاهُ المعتم؟ في اللحظة التي يعتقد فيها أنّه قد سما بِأرفع درجاتِ الرّخاء والسعادة؛ لينهض من مرقدهِ ويكتشف أن الذي ما انفكَّ وهو يحارب لأجله ويشبعهُ على حسابِ روحهِ؛ باتَ جوعاً قاتلاً بل جانياً غدّاراً لبس ثوب الحرير والزِّينة وما بين أعماقه أقل قدراً من أن يستحق كل هذا الصراع.
في الوقت الذي يكون فيهِ ذاك الجوعُ هو الجاني على روح الإنسان الذي جهل سياسة هذه الحياة الفانية، يأخذ الجوعُ دوراً مناقضاً ويلبس قناعاً آخرَ يلتمس الصِّدقَ ويحمل العزة والهدف الشريف في داخلهِ، ومن حظيَ به ولو أدرك مصيرهُ بأنه قد يمسي جثةً هامدةً إلا أنّه يعلم في قُرارَتهِ وبكل فخرٍ أنّه ما مات يوماً من حارب لكرامتهِ وقضى في حريته العنقاء؛ فهو باقٍ في قلوب من أرادَ لهم الحريةَ بعد نفسهِ.
ذاك الإنسان الذي لم يستهوي أن يكون عبداً في يد أسيادٍ طاغية، تعطي الحق على شكل منّةٍ تمنُ بها على من كمم رأيَّه وأغلق فاهُ عن الحقّ؛ خشيةً من جبروتِ كل حاكمٍ سليط.
نعم، ما الحريّةُ إلا حقٌ إنسانيّ غيرته سياسة الحكومات البغيضةِ تحت اسم ” السَّلام” فأصبحَ السَّلامُ مرتبطاً ارتباطاً مغلوطاً ووثيقاًبالسكوت والاستسلام عن محاربة كل باغٍ، والرضا بالإهانةِ على أيِّ حال.
نعم، لو مات جوعى الحريّة جسداً، إلا أنَّ روحهم الشّريفةُ باقيةٌ على لسان الأجيال وتسردُ من بعدِهم شتى بطولاتِهم؛ فهم من رفضوا الانقياد والتبعية ووقفوا في وجه الظّلم بصدرٍ يتسعُ لزخَّاتِ الرَصاص وقضبان السجون بكل رحب! فكانوا أشدَّ بؤساً وكرامةً منا؛ لرغبتهم بإشباعِ جوعهم وتذوق طعم الحرية ولو للحظةٍ واحدة.
ثمَّ إلى أين؟ ماذا بعد؟ كيف لنا أن نضيع من بعدهم ونتخلى عن دروب خطاهم نحو الحريّة؟ كيف لنا أن نرثيهم دائماً بكل توقٍ في أشعارنا وكتبنا؟ كيف نهيّجُ عاطفةَ القرّاء لهذه المقالات التي ما فَتِأت تمجّدُ ونؤرخُ ذاك الصنيع المقترن بالعزة ورفض الذلِّ، وها نحن لازلنا تحت رحمة اتفاقيات السَّلام الساخرة من جهلنا وضعفنا!
سلامٌ على من قضوا نحبهم وكان من المفترض أن يكونوا شعلةَ بدايةِ الحرية؛ فكان ردُّنا أضعفَ بل كان ردّاً منكّسَ الرأس بأننا لا حول لنا ولا قوة لتحقيق هدفهم المنشود.
وأمّا عن جوع الفكر وجوع السلطة السوداء، فهم أيضا كان لهم حيزٌ كبير في الوصول إلى ما نحنُ عليه من الضعف والتّبعية.
وكيف لأمة تعاني من جوع الفكر أن تحرز الاستقلالية والقوة والقيادة، وهي فارغةٌ تعاني التّخمة بعد إشباع جوع المعدة متناسيةً إشباع الأهمِ وهو جوهر الانسانوفكره؛ فما كان للاستعباد وجودٌ لو زودَ الإنسان عقله بالعلم ووظف ما أضافَ إلى معرفته وعلمه توظيفاً صحيحاً يعمل على إعلاء قيمته ويكون سبباً في نشوء الحضارات والتاريخ.
والفكرة في قضاء الحياة بالملذات الهاوية التي هدرت من زمننا أوقاتاً ثمينة حوّلتها لأوقاتٍ فارغةٍ، أمست مشكلةَ العصر في جعل الدّول صاحبة الموارد والجهل دولاً تعيش تحت كنفِ ورحمةِ من عرفَ قيمة ما جهلته هذه الدّول التّابعة.
وإن نُعلِمكم بما هو أشدُّ فساداً وأنانيةً، فهو دون أدنى ريبِ فقدان الإنسان لضميره؛ فيصبح جسداً بلا روح، بل بلا إنسانية! فما أقسى الأنانية حين تتملك الإنسان، وكم يكون الظّالم سفيهاً عندما يجهل قانون الحياة التي ستستقيم للعدل في النهاية.
كيف للإنسان أن يغدر الثقة التي حمّلت على عاتقهِ؟ وهو وإن خُفيَ عن الناس نواياه الأنانية عندما وُضعَ لتيسير أمور الحكم بما يستجدُ من المنفعة والمصلحةِ العامة؛ فكان يغافلُ كلَّ من وثق وجاء به مسؤولاً.
جائع السُّلطة من اتخذَّ مركزه غايةً ورياءً، فلم يك يوماً بالنسبة له وسيلة لتحقيق مسؤولياته؛ فقلب المبدأ رأساً على عقب، وهيمن الاحباطُ والسخط لمن ظنَّ أنّ قدره عالٍ وسعى لعلوه أكثر فأكثر ليحقق غايتهُ اللانهايةَ لها، ونسي من رفعه واختاره ليكون منبراً لإيصال الحق وصوت الظالمين.
ويا لها من أذيّةٍ غليظة قتلت أحلاماً وهدمت سقف توقعاتِ كلِّ من آمن بصدق هذه المناصب التي أصبحت منصب فخرٍ على لا شيء، ونالت لعنةَ كل مظلومٍ يعيش تحت ظلها.
المال وحبّهُ وشهوتهُ جوع بلا ضمير، كم رفع أُناساً واستحقر دونهم، كيف لا وقد أصبحَ الإنسان يُحتَرمُ على مالهِ لا علاقة بفكره أو نضاله أو حتى مبادئه الصّادقة.
إنَّ الاحترام في زمننا قل ما يُقال عنه هو مادةٌ قابلةٍ للكسر ومهيّأةٌ للوقوع في أيّ لحظة، بعد أن كان الاحترام من القيم التي تُفرض على ايِّ حالٍ ومع أيٍّ كان.
وهل نسيَ أصحاب النّفوس الشرهة للمال أنّه ليس إلّا وسيلةً لتتعايش في هذه الحياة لا هدفاً لامتلاك ما استطعت من الّرفاهية؟
وما أقسى تلك الكلماتِ التي تحاكي الألم بغصةٍ ” ارحموا عزيزَ قومٍ ذُلَّ” عند فقدان جائع المال الاحترام المزيّفَ ممن كانوا حولَهُ؛ عند لحظة سقوطه وخسارته كلِّ ما سعى لامتلاكه لحظة غفلةٍ مفاجئة؛ ليصحُ بعد غيبوبته لكن بعد أن حسم الأمر وانقضى الدّهر: قد أضعت حياتك تجمع المال من هنا وهناك ولم تدرك بأنّ الحياة تغدرُ وقتما شاءت، وأن العلاقاتِ والحبَّ أضلُ السعادة الملازمةِ والدائمةُ عند لحظة المشيب والوَهنِ.
ألوان الجوع جمّةٌ يضيق حصرُها، وكل لون منها قادرٌ على أن يسلب منّا أنفسنا ويقتلنا بصمتٍ شديدٍ في الوقت الذي نظن فيهِ أننا نفعل ما نفعلُ لأجلِ سعادتنا؛ فالجوعُ مرضٌ إن تفشى قتل كلَ جميلٍ، وهمَّ بسلبَ الضمير والحبَّ والإنسانية.
فما النهاية وإلى أيِّ السُّبلِ سينتهي بنا مطاف الجوعِ الخبيثِ في هذه الحياة الزّائفة؟