بقلم: عيسى قراقع*
يوم 22/7/1980 وفي الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة أقتيد الأسير الفلسطيني علي الجعفري المضرب عن الطعام إلى قاعة الغذاء الإجباري، وهناك واجه عنفاً جسمانياً شديداً صاحبه قيام السجانين دس انبوب التغذية الإجبارية قسرا في الرئة مما سبب له التقيؤ والسعال الشديد وصعوبة في التنفس، نقل على اثرها الى مستشفى أساف هروفيه الإسرائيلي ولكنه وصل فاقدا الحياة مقتولاً على يد هؤلاء الطغاة والسجانين.
في الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة أقتيد الأسير الفلسطيني راسم حلاوة المضرب عن الطعام الى قاعة الغذاء الإجباري، تعرض للتعذيب والضرب والتهديد، حشرجات في الصدر، دماء على الوجه، نقل راسم الى مستشفى أساف هروفيه الاسرائيلي في حالة صعبة الى أن ارتقى شهيداً يوم 24/7/1980 بعد أن نزع البرابيش بيديه.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة أقتيد الأسير الفلسطيني أسحق مراغة المضرب عن الطعام الى قاعة الغذاء الإجباري، تعرض لشتى أنواع الضغوضات والتعذيب حتى سقط مغشياً عليه ونقل إلى مستشفى أساف هروفيه الإسرائيلي وأدخل قسم العناية المكثفة، ظل إسحق مراغة يعاني من آثار تلك الليلة الجهنمية على مدار ثلاث سنوات حتى ارتقى شهيداً تاركاً وصيته في قصيدة تقول:
من نفحة الأحرار أكتب قصتي
وأخط قبل الموت فيها وصيتي
فليسحبوا عني الهواء فإنني
عندي المزيد من الهواء: قضيتي
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة استشهد الأسير الفلسطيني أنس دولة في سجن عسقلان خلال تضامنه مع الأسرى المضربين في سجن نفحة، ولازالت سلطات الاحتلال تحتجز جثمانه منذ أربعين عاماً لان أرواح شهداء نفحة لازالت تحلق في كل مكان.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة قام الطبيب الإسرائيلي المجرم المدعو فيلدمان والملازم أول الممرض المدعو روفائيل رويمي بممارسة الإطعام القسري بحق أسرى سجن نفحة الذين خاضوا اضراباً مفتوحاً عن الطعام يوم 14/7/1980 دفاعاً عن حقوقهم وكرامتهم الانسانية والذي أستمر 33 يوماً انتهى بمجزرة دموية بعد أن حاولت سلطات سجون الإحتلال كسر شوكة المضربين بالقوة والعنف.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة وقف الجنرال الاسرائيلي المدعو ليفي في باحة السجن قائلاً: لو كان لديّ امكانية لفتح مشاغل عمل هنا لقدت جميع الأسرى للعمل فيها كالكلاب ولحشرت الرافضين في الزنزانة. لو استطعت ان امنع الهواء عنهم لفعلت. حينها انفجر السجن في وجهه وعصفت الرمال وقامت القيامة.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة وعلى أثر الجريمة البشعة التي جرت بحق الأسرى خلال الإضراب سمع العالم ذلك النشيد الثوري خارجاً من بين الجدران والأسلاك الشائكة، نشيد البطولة والكبرياء:
نعم لن نموت ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة انتبه العالم الى قضية الحرية التي حلقت وسط نوافير الدم وفي ذلك التحدي والصمود: نعم للجوع لا للركوع، خرج الصوت من بين أبواب الحديد المصفحة ومن غرف السجن الضيقة والمظلمة ومن فتحات الشبابيك المقفلة بالصاج.. كان صوت الحرية يكسر الموت ويعانق الحياة.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة بدأت مرحلة جديدة في حياة الحركة الوطنية الأسيرة: انطلاق الروح الفلسطينية العنيدة التي تحدت السجن والأغلال، ثورات الأسرى وانتفاضاتهم في سبيل حريتهم وحقوقهم الانسانية المشروعة، صارت ملحمة نفحة شعاراً ونهجاً لكل المعذبين والمقهورين في كل أصقاع الأرض.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة اتضحت الجريمة المنظمة بحق شعبنا واسرانا، لم يعد سجن نفحة ذلك المبنى المسلح والمحاط بالأسلاك وأجهزة المراقبة، صار سجن نفحة هذا الوطن المسيج المعزول والمقسم والمقطع الى كانتونات واقفاص ومعازل. صار سجن نفحة النموذج الاستعماري لزج كل الشعب الفلسطيني في السجن ليتآكل بالقمع والخنق والموت.
الساعة الثانية فجراً استيقظ الشعب الفلسطيني وكل شعوب العالم على ذلك المخطط الاسرائيلي الذي يستهدف تحويل الشعب الفلسطيني الى عبيد وسجناء الى الأبد، الذين صمموا وهندسوا سجن نفحة هم أنفسهم الذين يهندسون الآن أرض فلسطين لتكون سجناً شبيهاً بنفحة مغلقاً بالأبواب والمتاريس والحواجز العسكرية، يتحكم السجانون بمصير الفلسطيني وبكمية الماء والهواء والدواء وميقات الحياة.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة، ساعة الموت لم تتوقف في السجون، لازالت تدق عقاربها وتفترس أرواح الأسرى وتعلن نهاية الوقت حسبما تشاء لهذا السجين أو ذاك، عقارب هذه الساعة زهقت أرواح العديد من الأسرى:عمر القاسم، عبد القادر ابو الفحم، سيطان الولي، فادي الدربي، محمد الأشقر، ميسرة أبو حمدية، سامي أبو دياك، فارس بارود، ابراهيم الراعي، عرفات جرادات، ياسر حمدونة، عزيز عويسات وغيرهم العديد من الشهداء، ولازالت هذه الساعة تدق الآن فوق رؤوس الأسرى المرضى: كمال أبو وعر، نضال ابو عاهور، منصور موقدة، خالد الشاويش، محمد براش، معتصم رداد، ياسر ربايعة، موفق العروق، مراد ابو معاليق، فؤاد الشوبكي وغيرهم المئات من الأسرى المرضى، ساعة الموت هذه تحرك عقاربها أصابع الطبيب وسوط السجان.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة، ساعة الموت تعمل بنظام وعلى قاعدة أن لا يحتضر الأسير الفلسطيني طويلاً، أن يموت بسرعة، لأنه كلما زادت مدة احتضاره تداعت سائر الأرواح وتوحدت وهبت العاصفة.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة وبعد أربعين عاماً نتسائل: متى نخرج من هذا الوقت المميت؟ نلملم أرواحنا وشظايانا ونستعد لطلوع فجر آخر مختلف، أن تكون الحرية شراعنا وثورتنا وانتفاضتنا ضد هذا المحتل الذي يرسم لابقائنا سجناء تحت رحمته نتدلى تحت مشانق الموت، يساومنا على الاستسلام ويهددنا اذا ما رفضنا ” بالزوندا” أو البندقية.
الساعة الثانية فجراً بتوقيت سجن نفحة، حان الوقت لنتحرر من زمن السجن، أن يكون لنا وقتنا الفلسطيني الذي لا يضبط حركته ذلك السجان، أن ننزع برابيش الموت من صدورنا ونطلق زفير الحرية ساخناً في كل الإتجاهات، لا يخنقنا نظام السجن هناك وهنا، ان نخلع ثوب العبودية ونقاتل برئتين او برئة واحدة.
*عضو المجلس التشريعي، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين السابق