حسابات التهويل والتحذير في مواجهة الوباء

16 مارس 2020آخر تحديث :
حسابات التهويل والتحذير في مواجهة الوباء
حسابات التهويل والتحذير في مواجهة الوباء

بقلم: علاء الدين أبو زينة

ينتشر «كوفيد-19» في العالم بـ «تأثير الدومينو»، أو «المتوالية الهندسية». 
وكما تبيّن، ليس هناك مجتمع في مأمن من المعاناة؛ وهو ما يطرح معضلة أمام صانعي القرار حول إدارة الأزمة، إعلامياً وإجرائياً: ما المعادلة الصحيحة لحسابات التهويل الضار، والتحذير الضروري؟

في ألمانيا، المتقدمة، أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن 60 إلى 70 في المائة من الألمان قد يطالهم فيروس كورونا. هل يُصنّف إعلانها في باب «التهويل» أم التصرف المحسوب الهادف إلى تنبيه حواس الألمان وتهيئتهم لاحتمال مواجهة أسوأ السيناريوهات؟

رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، وجه ما وُصف بأنه «خطاب مرعب» للبريطانيين والعالم حول وضع المرض في بلده، وقال: «سيرتفع عدد الحالات بشكل حاد، والواقع أن العدد الحقيقي للحالات أعلى- ربما أعلى بكثير- من عدد الحالات التي أكدناها حتى الآن عن طريق الفحوصات». وحذر من أن ذروة الإصابة بالفيروس المتوقعة في بريطانيا ما تزال «على بعد بضعة أسابيع» وأن العديد من العائلات: «ستفقد أحباءها قبل الأوان».

وفي الولايات المتحدة، توقع عالم الأوبئة بجامعة هارفارد، كارك ليبسيتش، أن فيروس كورونا لن يكون قابلاً للاحتواء، وتوقع أن يصيب خلال عام ما بين 40 إلى 70 بالمائة من البشرية. وإذا صدقت توقعاته، فإن ثلاثة مليارات و150 مليون شخص يمكن أن يصابوا بالعدوى في الحد الأدنى. وبمعدل وفاة 2 في المائة تقريباً، فإن 62 مليون إنسان رُبما يُفقدون. وفي الحد الأعلى، قد يلتقط خمسة مليارات و425 مليون إنسان العدوى، وربما يُفقد نحو 108 ملايين إنسان.

لكن ليبسيتش يقترح عدم القلق، «لأن الكثير من المصابين لن يعانوا من تعب شديد، ولن تظهر عليهم أعراض على الإطلاق». ومع ذلك، يثير القلق عملياً حين يعلن أن «سبب تفشي فيروس كورونا المستجد هو أنه من دون أعراض ظاهرة، أو على الأقل سيقضي الناس يومهم بشكل عادي حتى لو أصيبوا به، مما يجعل من الصعب تعقب المرض ومنعه».

هل وجد العالِم المعادلة الصحيحة من «التهويل» و»التحذير»؟ هل كان يجب أن يتكتم على استنتاجاته حتى لا ينشر الذعر؟
 في المقابل، أخطأ الرئيس الأميركي بوضوح في حساب هذه المعادلة. وكما لاحظت إيمي لورين فيرتشايلد، عميدة كلية الصحة العامة في جامعة ولاية أوهايو، فإنه «في حين نبهت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى ضرورة استعداد الولايات المتحدة لانتقال محلي واسع النطاق للفيروس، غرّد الرئيس على تويتر: «فيروس كورونا تحت السيطرة إلى حد كبير في الولايات المتحدة. نحن على اتصال مع الجميع ومع كل البلدان ذات الصلة. تعمل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها والصحة العالمية بجد وذكاء كبيرين. تبدأ سوق الأسهم في أن تبدو جيدة للغاية بالنسبة لي». لكن ترامب أُجبر أخيراً على إعلان حالة الطوارئ الوطنية في بلده، واضعاً مصداقيته في مهب الريح.

كتبت فيرتشايلد: «من السهل تبرير حملة إدارة ترامب الإعلامية باعتبارها محاولة مركزة لتقييد تدفق المعلومات حول المرض والتقليل من شأن تفشيه. لكنها تعكس أيضاً تقليداً أميركياً بعمر قرن: أن من الممكن منع الذعر الجماعي عن طريق السيطرة على المعلومات خلال أزمة صحة عامة سريعة التطور». 
وشرحت: «يضع الإعلام عن تفشي الأوبئة مسؤولي الصحة في معضلة. إذا شاركوا الكثير من المعلومات أو تصرفوا بسرعة كبيرة لتطبيق إجراءات تقيد حرية الأشخاص -مثل حظر السفر أو الحجر الصحي، فسوف يتعرضون للانتقاد بسبب ترويج الخوف. وإذا حجبوا المعلومات للحفاظ على الهدوء العام، فيمكنهم أن يتوقعوا الانتقادات على وضعهم حياة الناس في خطر، خاصة إذا تكشف سيناريو أسوأ حالة في وقت لاحق».

واقترحت: «يمكن لإشاعةِ بعضِ الحسِّ المشروع بالإنذار وسط عدم اليقين أن يسهل المداولات العامة واتخاذ القرارات السليمة. ويمكن أن يحفز الجمهور على استماع أوثق إلى إعلانات الصحة العامة الرسمية…».

يوفر أداء ميركل وجونسون، ودونالد ترامب المختلف، دليلاً لصانعي القرار المحليين. ثمة قادة يختارون قرع أجراس الإنذار وتنبيه الحواس، ويتخذون قرارات إعلامية وإجرائية جريئة لحفظ الحياة. وفي الحسابات أن الخوف الصحيّ يفرز الأدرينالين ويهيئ العقل والأطراف لرد الفعل، كنقيض للاسترخاء الذي يترك المرء مكشوفاً. أما الذعر الذي يشلّ العقل والأطراف، فتصنعه المفاجأة.