صفقة تبادل أسرى أم بادرة إنسانية في ظل جائحة “كورونا”؟!

بقلم: راسم عبيدات

القيادة الإسرائيلية رفضت لست سنوات مضت الحديث عن صفقة تبادل أسرى جديدة، وكانت تسعى فقط من أجل استراد جنودها ومواطنيها المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، دون ان تقدم اثمان حقيقية وجدية لذلك، ولذلك كل الجهود والوساطات العربية والإقليمية والدولية فشلت في إخراج صفقة تبادل اسرى بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال الصهيوني، ولكن من بعد انتشار جائحة ” كورنا” كفيروس وبائي ضرب كل اصقاع العالم، وجدنا بأن هناك تحريك للمياه الراكدة في ملف تبادل الأسرى، والتحريك جاء من خلال المبادرة التي طرحها رئيس حركة حماس في القطاع يحيى السنوار، الذي قال بان اسرائيل بإمكانها ان تقوم بمبادرة انسانية في ظل انتشار فيروس جائحة ” كورونا” بإطلاق سراح الأسرى المرضى والكبار في السن والأطفال والنساء مقابل ان تقوم حركة حماس بتقديم معلومات عن الجنود والجثث الموجودة لديها، ولم يفصح عن طبيعة المعلومات المنوي تقديمها، والسنوار بمبادرته فتح الملف ليس اكثر، ولم نشهد تحرك وسطاء لتحريك جديا وفعليا لهذا الملف، كما قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى ابو مرزوق.ا

إسرائيل تتعامل مع هذا الملف، على طريقة وزير جيشها بينت بالإبتزاز السياسي والإنساني، فهو ربط ادخال المساعدات الطبية والأدوية الى قطاع غزة من اجل مواجهة وباء فيروس ” كورونا”، بالكشف عن مصير جنود دولته لدى المقاومة الفلسطينية، واسرائيل دائماً كانت تشترط رفع الحصار او التقليل من آثاره، او أي هدنة من حماس بمصير جنودها لدى المقاومة، دون أي صفقة تبادل.

هل تحدث مبادرة السنوار اختراقاً في ملف التبادل؟ يبدو ان المبادرة التي طرحها السنوار، فتحت هذا الملف وحركت المياه الراكدة فيه، وهذه المبادرة لقيت تجاوباً من حكومة الاحتلال، حيث قال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بان منسق شؤون الأسرى والمفقودين لدى دولته يارون بلوم وطاقمه والمؤسسة الأمنية وهيئة شؤون الأمن القومي جاهزين من أجل اغلاق هذا الملف بشكل نهائي، والأطراف التي كانت على خط صفقة التبادل خاصة مصر، الذين كما قيل أبلغوا مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات استعدادهم للتوسط من جديد في هذا الملف، وأبلغوا حماس بذلك، ويبدو انه بالإضافة الى منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ملادينوف وقطر والمانيا، هناك دخول لروسيا على خط إحداث اختراق في هذا الملف، فهي تتمتع بعلاقات جيدة مع حماس ودولة الإحتلال، حيث أجرى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ اسماعيل هنية محادثات مع نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الشخصي للرئيس الروسي بوتين في المنطقة ميخائيل بوغدانوف، وتلك المحادثات تركزت على أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال، والظروف الصعبة التي يعيشونها، وتحميل اسرائيل المسؤولية عن حايتهم، وضرورة تقديم الحماية لهم في ظل انتشار وباء جائحة ” كورونا”.

صحيح بأن جائحة ” كورونا” التي تعصف بدولة الاحتلال، والتي كشفت عن عجز لجبهتها الداخلية وشبه انهيار لنظامها الصحي في مواجهة هذه الجائحة، كما انها كشفت حالة الإرباك والتخبط عند الحكومة والمجالس المحلية في كيفية التعاطي مع هذا الفيروس، ناهيك عن انكشاف عورتها وضعفها أمام الأوبئة والحروب، ولتظهر على أنها نمر من ورق.

اسرائيل تدرك تماماً بأن انتشار فيروس جائحة ” كورونا” بين الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال، وسقوط عدد منهم شهداء بهذا الفيروس، قد يدفع الى تصعيد عسكري مع قوى المقاومة الفلسطينية، وقد يقود هذا التصعيد الى حرب لا تريدها هي الآن، فهذا التصعيد وهذه الحرب، ستفاقم من ازمتها ومن المخاطر المحدقة بها، فكل جهودها الان منصبة على كيفية مواجهة انتشار جائحة “كورونا” والتي ليس تفتك بارواح سكانها، والذين جعل نتنياهو الألوية للإقتصاد والمال عليها، بل تهدد بإنهيار اقتصادها، ولذلك قضية الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية لا تحظى الان بالأولوية لدي الحكومة او الإعلام او حتى الجمهور الإسرائيلي، المهتم بالحصول على وسائل الوقاية من فيروس”كورونا”، وقيادة دولة الإحتلال، مقتنعة تماماً بأن أي تصعيد عسكري بحاجة الى ميزانيات جديدة للجيش والمؤسسة العسكرية على حساب ميزانية وزارة الصحة والوزارات الأخرى، والحكومة الحالية هي حكومة انتقالية، تعمل منذ عام بميزانية طوارىء، حيث لم يجر اقرار ميزانية جديدة، والحرب تحتاج الى تعبئة ودعوة احتياط، وتكاليف باهظة، مترافقة مع وجود مليون عاطل عن العمل، وهذا سيشكل ضربة قاصمة للإقتصاد الإسرائيلي، ان لم يكن انتحار لهذا الإقتصاد.

اسرائيل لا تريد في هذه المرحلة التصعيد العسكري، ولا ربط ادخال المساعدات الطبية والأدوية الى القطاع بالكشف عن مصير جنودها، وهي كذلك تعلم بأن هذا التصعيد سيحصل، إذا ما احدق الخطر بالأسرى الفلسطينيين في سجونها، بسبب الإصابة بوباء فيروس جائحة ” كورونا”، ولذلك ربما تقبل بما طرحه السنوار بمبادرة انسانية في ظل جائحة ” كورنا”، لأن أي صفقة تبادل حقيقية تواجه مصاعب حقيقية، حيث هناك 53 أسيرا فلسطينيا تحرروا في صفقة ” وفاء الأحرار” في تشرين اول 2011 اعادت اسرائيل اعتقالهم، وهؤلاء مطلوب إطلاق سراحهم، قبل الشروع بأي صفقة جديدة، وكذلك قضية الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، والصفقة اذا ما جرت وتبين بأن الجنديين هدار غولدن ارون شاؤول على قيد الحياة كلاهما او احدهما، فهذا يعني بان على اسرائيل ان تطلق سراح قيادات فلسطينية وازنة من قادة كتائب القسام وغيرها من الفصائل الأخرى ورموز وقيادات سياسية مثل الأمين العام للجبهة الشعبية الرفيق احمد سعدات وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأخ مروان البرغوثي.

نتنياهو الذي تواجه حكومته ودولته حتى اللحظة مأزق تشكيل الحكومة، الظروف ليست ناضجة عندهم لمثل هذه الصفقة، وبالمناسبة ما يهم نتنياهو بالأساس مصير الجنديين هدار وأرون، اما الجندي من اصول اثيوبية افرايم مانغستو والمواطن العربي من حملة الجنسية الإسرائيلية هشام السيد، واللذان تعتبرهما اسرائيل مرضى نفسيين، فهؤلاء تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية والعربي من الدرجة الثالثة، ولذلك ما قد يُنزل نتنياهو وحكومته عن الشجرة ويدفعهم للموافقة على مبادرة السنوار، صفقة تبادل جزئية، هو معلومات عن غولدن وشاؤول، أحدهما او كلاهما، وأعتقد بأن حماس لن تقدم معلومات سوى عن احدهما، فهي تدرك بأن حدود الصفقة ستنتهي عند المعلومات التي ستقدمها عنهما وخاصة إذا ما كانوا اموات،ا الإثنين أو احدهما، وطبيعة المعلومات المقدمة اذا ما كانوا أحياء ستفتح الطريق لصفقة تبادل بحجم صفقة ” الوفاء للأحرار” في عام 2011 ، اما الآن فما سيجري العمل عليه مبادرة السنوار، فالخوف الإسرائيلي من انتشار جائحة “كورونا” بين الأسرى الفلسطينيين، وما سيجره ذلك من تصعيد عسكري مع قوى المقاومة الفلسطينية لا تريدها اسرائيل الآن، قد يدفعها ذلك للتعاطي ايجاباً مع مبادرة السنوار، اما صفقة تبادل بحجم صفقة وفاء الأحرار، فهذه تنتظر لتذليل العقبات امامها، وكل ذلك رهن بمصير الجنديين هدار غولدن وارون شاؤول.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …