بقلم:محمد أمين
بصراحة وقدر عال من الثقة أقول إن اجتماع الفصائل كان إيجابيا ومبشرا في المحتوى والتوقيت والدلالة. فبعيدا عمن ينظرون دوما للجانب الفارغ من الكأس، يمكن اعتبار اجتماع أمناء الفصائل الفلسطينية الذي اختتم أعماله بين بيروت ورام الله بداية تأسيسية جادة للملمة الشتات الفلسطيني، وانهاء الانقسام، والشروع في صياغة برنامج وطني فلسطيني لمواجهة مشاريع الضم، وصفقة القرن، والمشروع الثالث الذي لا يقل خطورة عنهما وهو مشروع التطبيع وعرابيه العرب، الذين وصف الرئيس الفلسطيني فعلتهم بأنها ” طعنة خنجر سامة “.
أربعة أسباب تجعل المراقب يتفاءل، بثقة: الأول هو حضور عباس شخصيا وكافة قيادات الصف الأول في الفصائل وتحملهم سماع بعضهم البعض، والثاني هو الصراحة البالغة التي تحدثت بها كل الأطراف، وثالث أسباب التفاؤل هو تحديد سقف زمني لإنهاء الانقسام، أما رابعها فهو الاتفاق على تأسيس قيادة موحدة في الضفة والقطاع لإدارة المقاومة الشاملة ضد الاحتلال وهو أمر بالغ الأهمية وركيزة أساسية في المشروع الوطني المنشود.
وأشير باهتمام إلى جملة بالغة الأهمية في خطاب عباس والتي قال فيها: “إن شعبنا هو من أفشل صفقة القرن الأمريكية، وخطة الضم الإسرائيلية”، مضيفا: “ما حدا يحملنا جمايل”. وهذا بالفعل صحيح وبالغ الأهمية، فكلمة السر في فشل صفقة القرن هي عدم وجود شريك فلسطين، فكل ما فعله جاريد كوشنر ووالد زوجته لا قيمة له، ولو وقع كل العرب وطبعوا وعانقوا كل صهاينة الكوكب.
وفي سياق تحليل مضمون خطاب عباس، أتوقف عند دعوته لتشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية، وبتقديري فإن هذا هو جوهر ما ينبغي أن يتوافق عليه الفرقاء، لكنه يحتاج لشرط مسبق وهو الاتفاق على خطوات لحل السلطة الفلسطينية تدريجيا عبر تغيير وظيفتها من التنسيق الأمني، إلى قيادة المواجهة الشاملة مع المحتل، والعودة لمروية أننا شعب تحت الاحتلال يريد التحرر وبناء دولته المستقلة.
كان الفلسطينيون يجتمعون في السابق مع العرب لمواجهة مشاريع إسرائيل ومخططاتها، لكنهم اليوم باتوا يجتمعون لمواجهة مشاريع بعض العرب المتحالفين معها، وهو الأمر بالغ الخطورة الذي أشار له رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، حين حذر في كلمته من أن صفقة القرن تهدف لبناء تحالف إقليمي، “يسمح لإسرائيل باختراق المنطقة العربية عبر التطبيع”، فالأمر أبعد من تصفية القضية الفلسطينية، إذ أن مشروع التطبيع الذي تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة وباتت رأس حربه فيه والذي يدعو لتقبل إسرائيل ككيان طبيعي والتحالف معه بدلا من اعتباره مشروعا صهيونيا معاديا، هو مشروع بالغ الخطورة ويهدد الأمن القومي الجمعي العربي، وهو خلل مركزي في منهجية التفكير، فالعجز المؤقت عن مواجهة العدو لا يعني الارتماء في أحضانه، فأدبيات هذا المشروع وممارساته منذ ٧٢ عاما تؤكد بكل وضوح أن المستهدف هو الأمة العربية، وليس الشعب الفلسطيني فقط.
إن وحدة الفلسطينيين المنشودة اليوم هي حاجة عربية أولا، قبل أن تكون فلسطينية، فعندما انقسم الفلسطينيون، تاه العرب حتى دخلوا جحر الضب، وعندما انشغل الفلسطينيون عن القدس، باعها بعض العرب. أخيرا، لن يجد ترمب ولا زوج ابنته ولا حليفهما نتنياهو قيادة فلسطينية خائنة، ففي حزيران ٢٠٠٢ طالب جورج بوش الابن بتشكيل قيادة فلسطينية جديدة، استشهد أبو عمار ولم يبع، وفيايلول ٢٠٢٠ يطالب جاريد كوشنر بقيادة جديدة توقع على الخيانة ولن يجد. رحل بوش وبقيت فلسطين رغم كل ما جرى، ورغم كل ما يجري سيرحل كوشنر ووالد زوجته ويبقى الشعب الفلسطيني وفلسطين، فهذا شعب الجبارين، وهذه “أم البدايات وأم النهايات، كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين”.
عن “الجزيرة نت”