بقلم: جونغ إتش باك*
كانت شبكة الإنترنت تعج بالشائعات والتقارير الدورية حول الحالة الصحية للزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، ما أثار سيلاً من التكهنات بشأن الشخص الذي قد يخلفه في الحكم، والآثار المترتبة على استقرار النظام في البلاد.
ولم يساعد كثيراً، تسليط الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الضوء على تلك الشائعات، بقوله أولاً: «لقد كانت لدي علاقة جيدة جداً معه. يمكنني فقط أن أقول: أتمنى له الصحة»، وتفاخره أيضاً: «لو كان هناك شخص آخر، لكنّا الآن في حرب مع كوريا الشمالية».
وغالباً ما تباهى ترامب بنهجه تجاه كوريا الشمالية، واصفاً علاقته بالزعيم الكوري الشمالي بأنها، في حد ذاتها، تشكل تقدماً نحو العلاقات الثنائية، ونزع السلاح النووي.
وكانت استراتيجية ترامب تجاه كوريا الشمالية، عبارة عن تهميش للمسارات الدبلوماسية القائمة، وعن تقليص للعلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى قناة واحدة سطحية، بين قادة هذين البلدين. وهذا التواصل المباشر لترامب، لم يؤد إلى أي اختراقات دبلوماسية، بل منح كيم الشرعية، فيما كان يواصل بناء ترسانته النووية. والآن، أمام احتمال مواجهة كوريا الشمالية مستقبلاً مجهولاً، فإن إدارة ترامب غير مهيأة للتعامل مع تلك البلاد.
فغياب كيم، أشعل التصورات حول اضطراب إقليمي واسع النطاق، بعواقب وخيمة، ذلك أنه من المحتمل أن كوريا الشمالية لديها عشرات الأسلحة النووية، ومخبأ كبيراً من الأسلحة البيولوجية والكيميائية، ومجموعة متنوعة من الصواريخ البالستية، وجيشاً من مليون جندي. وكانت الدعاية الحكومية قد أوضحت أن كيم هو وحده من يسيطر على أدوات القوة العسكرية تلك.
هذا في الوقت الذي من شأن صراع على السلطة في كوريا الشمالية، نتيجة لوفاته أو عجزه، أن يؤدي بمسؤولي البلاد إلى القتال بكل الوسائل المتاحة، من أجل السيطرة على أسلحة النظام النووية، إما لاستخدامها أو لبيعها، ومثل هذا التطور، قد يدعو لتدخل عسكري أمريكي وصيني وكوري جنوبي، ممهداً الطريق لمواجهة وحسابات خاطئة، يمكن أن تتصاعد لصراع أكثر اتساعاً.
لكن هذا الاحتمال، وما يمثله من اندلاع لـ «حرب نووية»، أو «توفر أسلحة نووية غير محمية»، ليس الوحيد الذي يقلق واشنطن وبكين وسيؤول وطوكيو، إذ من شأن انهيار داخلي، أن يشعل اشتباكات مسلحة بين الفصائل المتنافسة، ويسفر عن تدفق هائل للاجئين، ما يثقل كاهل قدرات المنطقة على الاستجابة. هذا، فيما الشيء الوحيد الذي سيفعله الوباء، هو تضخيم الكارثة الإنسانية.
وفي واقع الحال، فإن إدارة ترامب غير مهيأة للتعامل مع كوريا شمالية ما بعد كيم. فالقرار الأحادي الجانب لترامب عام 2018، بالتعامل مباشرة مع كيم، وتهميش هذا الأخير للمفاوضين معه منذ قمة هانوي الفاشلة عام 2019، قد أدى إلى تقويض الدبلوماسية الثنائية بين البلدين، إلى مجرد رسائل ضحلة ما بين ترامب وكيم.
ولم يحصل ترامب إلا على نتائج قليلة يمكنه إبرازها: كان الشيء الوحيد الذي قام به كيم، هو بناء ترسانة أكثر خطورة وقوة، في الوقت الذي كان يقدم تطمينات جوفاء، بأنه سيعمل على «نزع السلاح النووي الكامل من شبه الجزيرة الكورية»، وهو تعهد يتقزم كثيراً أمام الاتفاقات السابقة، مثل البيان المشترك لعام 2005، الذي التزمت كوريا الشمالية بموجبه «التخلي عن جميع الأسلحة النووية والبرامج النووية القائمة».
وفي غضون ذلك، فإن رغبة ترامب في صفقة كبرى مع كيم، قوضت الدبلوماسيين في إدارته، الذين كافحوا من أجل التقدم مع نظرائهم الكوريين الشماليين، حتى على تحديد معنى «نزع السلاح النووي».
قدم ترامب الإطراء لكيم، وأجّل المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، وحظر عقوبات واسعة النطاق على كوريا الشمالية، حتى مع مواصلة كيم اختباراته الصاروخية، وانتهاكات حقوق الإنسان، ما منحه سبباً ضئيلاً للاستثمار في مباحثات على مستوى العمل مع الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، يتطلب التعامل بنجاح مع كوريا الشمالية، الحصول على مساعدة من الصين.
وإذا أدى غياب كيم إلى صراع مزعزع للاستقرار، أو حتى انهيار داخلي، فسيكون تعاون الصين المبكر، ضرورياً في الحد من أزمة إنسانية محتملة، وفي تأمين الأسلحة النووية لكوريا الشمالية.
هكذا، وفيما كان ترامب يتفاخر على مدى عامين، بأنه وضع سياسة كوريا الشمالية تحت السيطرة، بسبب علاقته الشخصية مع كيم، لم يتمكن من استخدام تلك العلاقة، للدفع نحو نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، أو تحسين العلاقات الثنائية معها، جلّ ما فعله، هو جعل الولايات المتحدة غير مهيأة للتعامل مع كوريا شمالية من دون كيم.
*زميلة أولى في مؤسسة بروكنغز – عن “البيان” الإماراتية