بقلم: رشاد ابو داود
ليس تشاؤماً لكنه الواقع المخفي بالتعفف. تسمع حكايا مبكية لعائلات عندما تسأل عن عامل او صاحب دكان في حي صغير عن حاله وحال الناس حوله. بطيبة البسطاء يبدأ كلامه بالقول «الحمد لله» ثم يحكي لك ما يدمع العين والقلب.
احدهم يحكي ان جيرانه لا يطبخون في رمضان، اذ ليس لديهم ما يطبخونه ولولا الصحن الذي نرسله لهم واحياناً الجيران الآخرون فإنهم يكتفون بحبات بندورة ورأس بصل وعرقي بقدونس وربطة خبز من احد الجيران.
آخر قال أنه وعائلته أصبحوا نباتيين ستة ايام وفي السابع يشتري بما اختصر خلال الأسبوع ليشتري دجاجة لخمسة أفراد. ثالث قال انه كان في جيبه خمسة دنانير أعطى ابن عمه ثلاثة منها وبقي معه ديناران. خجل ابن عمه وقال له يكفيني ديناران وخل الثلاثة لك. فقال له : لا أنا معي باكيت دخان وانت ليس معك. غداً ربك بيفرجها.
وكما ان هناك حكايات مبكية أخرى فثمة حكايات مفرحة أساسها طبيعة هذا الشعب الطيب. فكثير من الناس على حاجتهم، يشعرون بالناس. ومنهم من لا يأكل الا اذا اقتسم طبخته مع قريب أكثر حاجة، ومنهم من يوصل ولو عشرة أو خمسة دنانير الى محتاج على مبدأ «الصرارة بتسند الزير».ومن أصحاب المخابز من يضع بسطة على باب محله ممتلئة بربطات الخبز ولافتة كتب عليها « الخبز مجاناً لمن لا يستطيع الشراء».
في شعبنا من أهل الخير من يثق بفقير فيزوده بطرود غذائية او بمبالغ نقدية ليوزعها بمعرفته على المحتاجين. هؤلاء لا يذكرون حتى أسماءهم ولا يلتقطون لهم صوراً وهم يتصدقون.
لكن..من كان يخبئ «القرش الأبيض لليوم الأسود» صرف الأبيض والأحمر. والكورونا تنتشر بسرعة ولا احد من العلماء والمختصين يعرف متى تنتهي. ثمة من يقول أن الفيروس سيخف في الصيف ومن يقول هذا ليس صحيحاً فانه يحتاج لدرجة حرارة 56 ولمدة ربع ساعة حتى يموت. الصين لم تأخذ انتشار الكورونا في ووهان على محمل الجد ولم تخبر العالم الا بعد ان فتك بالآلاف ز منظمة الصحة العالمية ارتبكت فقد علمت بالفيروس في كانون ثاني 2019، وأعلنت بعد شهر انه ليس وباءً ثم عادت لتعلن في 11 آذار ان كورونا «كوفيد19 « وباء عالمي.
الفيروس منذ ذلك الإعلان قتل عشرات الآلاف في العالم اغلبهم من الدول الصناعية الكبرى. فلم تحتاط تلك الدول لمواجهة الجائحة ولم تتخذ اجراءات احترازية.
الاردن ولله الحمد كان من أوائل الدول التي استشعرت الخطر وسارعت لاتخاذ إجراءات وقائية لمواجهة الفيروس وعمل المسؤولون كفريق واحد كل في تخصصه مما خفف من الإصابات، كما أن الناس قامت بدورها باتباع التعليمات ونزل الجيش والامن الى الشوارع لفرض حظر التجول والتباعد بين الناس وهي الوسيلة الأفضل في الحرب ضد الكورونا كما ثبت عالمياً واتبعتها عدة دول بعد الاردن.
وكدنا نعلن الانتصار على الفيروس عندما لم نسجل اية اصابة لعدة ايام متتالية لولا، سامحه الله، سائق المفرق وقبله عريس اربد. لكن المطمئن ان الحالات التي تسجل الآن كلها من الخارج والمخالطين لهم، أي أن الأردن ليس بؤرة للكورونا.
كما سارعت الدولة لتحريك عجلة الاقتصاد تدريجياً وبخطى مدروسة فأنشأت منصات المعونة وأجلت الأقساط الشهرية للبنوك لكن…. الى متى تستطيع أن تتحمل التبعات الاقتصادية خاصة أن لا أحد يعلم متى تنتهي كورونا ؟
الدور الآن علينا نحن الناس، أن نقتسم رغيف الخبز مع من لا يملك ثمنه، أن نتكيف مع الوضع الصعب وأن نمارس طيبتنا المتأصلة فينا.
عن “الدستور” الأردنية