الفقراء… والعلماء: لا بواكي لهم!

21 مايو 2020آخر تحديث :
الفقراء… والعلماء: لا بواكي لهم!
الفقراء… والعلماء: لا بواكي لهم!

بقلم: د. أسعد عبد الرحمن

كل يوم أو أسبوع أو شهر، نسمع بموت عالم فذ، أو طبيب بارع، أو مخترع مرموق أو غير ذلك؛ من أولئك الذين تركوا بصمتهم في الحياة، لكنهم لم يصيبوا ثراء، أو يحوزوا موقعا عاليا في الدولة والمجتمع؛ بسبب حظوظهم أو أخلاقياتهم الصارمة وتفرغهم للعطاء والإبداع. والحال كذلك، نحن نعلم بخبر موتهم عبر إعلانات نعي متواضعة الأحجام والأعداد في إحدى الصحف، أو كخبر في أحد المواقع الإخبارية، دون أن يهتم لموت هذا المبدع سوى الشريحة التي ينتمي إليها، وما عداهم، فلا تسمع له بينهم ذكرا. والسبب ببساطة شديدة أنه قد افتقد لما يقدمه أهل الغنى والمال والجاه أو أهل السلطة والنفوذ والذي يبدو أنه أصبح معيارا للتعاطف/ وللتعزية! وغالبا ما نجد أن هذه “المتلازمات” متحكمة في حجم وأعداد الإعلانات، وفي كبر حجم الجنازة، وفي بذاخة المآتم ونوعية وحجوم مرتاديها! ولعل الإمام أحمد بن حنبل، عندما قال أيام “المحنة” لخصمه القاضي أحمد بن أبي دؤاد: “بيننا وبينكم الجنائز”، كان يعوّل على وعي الجماهير بتقييم الرجال، وإدراكهم لقيمة وإبداع الشخصية وما تقدمه للناس، وبالفعل، شهد جنازة الإمام أحمد عشرات الآلاف من البشر، بينما اتضح لاحقا أن القاضي أحمد – صاحب الموقع والتأثير – لم يسر في جنازته سوى نفرٌ يسير.

ما أعظم الفارق بين الأمس واليوم! وحقا، يؤلمني كثيرا الفارق والتمييز بين جنازة الغني والمتنفذ… وجنازة رجل العلم أو الفقير. أهكذا دب التفاوت الطبقي وطغى حتى توغل في كيان المقابر؟ فجعل بين سكان الأبدية سيدا ومسودا، وهم عند خالقهم سواء، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم ولا علو بمكانتهما في ملكوته السرمدي إلا بمقدار تقوى وصلاح وعطاء كل منهم للناس وللمجتمع.

إن المآتم المسرفة ومراسم الجنازات الباهظة ليست بالضرورة دليل احترام للمتوفين؛ فالكثير يريدون غالبا أن يظهروا للآخرين أنهم يتمتعون بمكانة اجتماعية عالية. كما أنها لا تدل بالضرورة أيضا على التقوى الدينية أيضا، خاصة عندما يتم تحويل مناسبة جدية كهذه الى مجرد استعراض. والإنفاق الباذخ في المآتم لا تنفع إلا الأحياء أصلا لناحية “تبيض” وجوههم أمام المعازيم/ المعزين ولا تنفع الأموات في شيء لأنه “ليس للإنسان إلا ما سعى..”، ولو حولنا هذه المبلغ إلى صدقة جارية (بناء جامع إن كان ذلك ضروريا، أو بناء مشفى أو مدرسة وهذا دوما ضروري) لكان أفضل وأفعل.

ندعو لتضافر جهود الجميع في إيجاد حل يقضي بجعل المآتم (والأعراس/ الأفراح أيضا) أكثر تواضعا؛ عن طريق تعميم وثيقة وآلية ملزمة وشاملة تتجاوز العادات والتقاليد، وتنظم مراسم مناسبة للموت والزواج. ودوما، على أمل أن تعيد تداعيات ودروس جائحة فيروس الكورونا المستجد بعض الرشد والاتزان والحكمة إلى عقولنا، وبالتالي إلى عاداتنا؟!