بقلم:الدكتور أحمد القديدي
ليس جديدا على الولايات المتحدة استشراف المستقبل، فهي قوة عظمى وتعرف نخبها أن أحد أسلحة القوة العظمى هو تحليل مصير الأمم لا بالتكهن العشوائي أو بضرب الودع أو قراءة الفنجان، بل بالعلم.. نعم أنتجت أمريكا أكبر علماء استشراف المستقبل في تاريخ البشرية وأبرزهم هو (ألفين توفلر) الذي ساهم عام 2000 في إعداد هذا التقرير الصادر عام 2004 في أغلب عواصم الغرب، والذي يحمل عنوان (تقرير المخابرات الأمريكية: كيف سيكون العالم عام 2020؟) أي بعد عقدين من مرحلة وضع التقرير ضمن توقعات المخابرات الأمريكية، وهي توقعات كما تعرفون تساعد البيت الأبيض والبنتاغون على التعامل الذكي مع الأحداث والأزمات والدول.
أول تقرير أمريكي حول التوقعات المستقبلية صدر في عهد الرئيس الخامس (جامس مونرو) عام 1820 ليستشرف حالة العالم لسنة 1900! أي بعد 80 سنة!. واستمرت تقاليد التوقعات العلمية الجيوسياسية الى اليوم، وأذكر أني اقتنيت كتاب التقرير حال صدوره مترجما للفرنسية عام 2004 وهو يقدم لنا رؤية العلماء الأمريكان لما ستكون عليه أحوال العالم عام 2020 أي اليوم!.
ولا تظنوا أن (وكالة السي آي إيه) توظف عملاء بوليس سري وجواسيس فقط من نوع (جامس بوند) بل إن علماء أمثال (ألفين توفلر) يتعامل مع مخابرات دولته هو وفريق من أشهر علماء الاجتماع والسياسة والمؤرخين. وقدم للكتاب (ألكسندر أدلر) وهو صحفي استقصائي ومقدم برامج في الجيوسياسة في بعض وسائل الإعلام الفرنسية والأمريكية، ولديه ميول إسرائيلية لا يخفيها.
تعالوا نستعرض أهم ما توقعه التقرير لعام 2020 ما دمنا نعيش هذا العام:
1) نحن نمر بمرحلة غير مسبوقة بسبب انتشار فيروس كورونا وهي مرحلة طبعت عام 2020 الى الأبد بطابع الوباء القاتل مجهول الأصول وبعيد المدى صحيا واقتصاديا وسياسيا ولم يغفل التقرير منذ عقدين الإشارة الى ما سماه (الحرب البيولوجية)، حيث قال التقرير (ص234 وما بعدها) بأن عدوان 11 سبتمبر 2001 الإرهابي على نيويورك وواشنطن دفع الولايات المتحدة الى تدمير أفغانستان واحتلال العراق ودخول الجيوش الأمريكية للشرق الأوسط، وهو ما جعل دولا كثيرة ومتوسطة القوة العسكرية تشرع في ابتكار أسلحة بيولوجية في مخابر كيميائية حكومية أو مخابر ملك منظمات إرهابية لتصنيع سلاح يعتمد على نشر فيروسات (من صنف أنفلونزا الطيور) أو غازات سامة (من صنف سارين) لردع أعداء أقوياء أو لإحداث قتلى لديهم، لكن دولتين كبيرتين فكرتا كذلك في امتلاك هذه الأسلحة وهما الصين والهند، ويتوقع التقرير أن يحدث خلل غير مقصود يطلق هذه الأسلحة الجرثومية أو الكيميائية من مخابرها فتنتشر أصناف غير عادية من الأوبئة القاتلة في مناطق محدودة من العالم!.
2) عودة الوحدة بين الدول المسلمة في شكل خلافة تتلاءم مع العصر! نعم ففي ص 33 وما بعدها يحلل التقرير يقظة الأمة الإسلامية على حقائق أغفلتها النخب المسلمة، وهي أن الرابط الديني يشكل قوة روحية جامعة، وتسعى شرائح من المفكرين والمؤرخين المسلمين (يقول التقرير) الى استخلاص العبرة من موت القوميات وأفول نجومها (العربية والكردية والفارسية…) لفائدة وحدة إسلامية شاملة تتشكل حول زعماء يحلمون بعودة الخلافة كما كانت في عصورها الذهبية! ويسمي التقرير تركيا وباكستان ومصر ودول الشرق الأوسط المسلمة أو ذات الأغلبية المسلمة، ونحن حين نقرأ هذه التوقعات يجول ببالنا ما كتبه المفكر الأمريكي (صامويل هنتنغتون) في كتابه (صدام الحضارات) عام 1994 وكيف صنف الإسلام كعدو أول ومحتمل اليقظة للغرب (المسيحي اليهودي.. كما يصنفه هنتنغتون)، كما نستعيد ممارسات السياسة الأمريكية في عهدي بوش الأب والابن والتي قادها المحافظون الجدد بأيديولوجية منظرهم الأول (برنار لويس)، ويقول التقرير إن سبب هذه العودة الفكرية لمبدأ الوحدة الإسلامية هو التغيير السريع الذي فاجأ المجتمعات المسلمة عن طريق انتصار الغرب، وفرض قيمه وعاداته وثقافته على مجتمعات تقليدية وهشة، ويشبه التقرير هذه الظاهرة بظاهرة انتشار الفاشية في الغرب في أوساط فقراء المدن الأوروبية لتتحول مع هتلر الى مارد ينشر الموت والحرب والرعب!. وهذا انحياز ظالم من مقدم التقرير (أدلر) وهو يهودي مسيس متعاطف مع اليمين الإسرائيلي.
3) سيشهد عام 2020 اضطرابا عميقا فيما نسميه النظام العالمي الذي يقوده ويقرره الغرب المنتصر في الحرب العالمية الثانية ليتحول القطب الثاني من روسيا إلى الصين التي ستصبح قوة عظمى لا بد أن نقر لها حسابا في المستقبل بعد بداية انهيار قيم الغرب وتصدع وحدة ضفتيه الأطلسيتين: أمريكا وأوروبا.
4) أطنب التقرير في عرض تغيرات تطرأ على الوعي والشعور بأهمية البيئة وسن قوانين لحمايتها ثم عرج على ما سماه قضية الشرق الأوسط وهو طبعا يقصد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولكني ألاحظ شخصيا أن مقدم التقرير هو (ألكسندر أدلر) وهو من الديانة اليهودية وعرف هنا في فرنسا بتحمسه لليمين الإسرائيلي مع الأسف وأعتقد أنه لم يفصح لنا عما جاء في التقرير حول ملف فلسطين، ولذلك طلبت من زملاء أمريكان أن يمدوني بالنسخة الأصلية بالإنجليزية وقد ترجمها لدار النشر الفرنسية (جوهان فريديريك هال غادج). ولا أعلم مدى أمانته في الترجمة! على كلٍ خلاصتي هي أن الأمم تخطط ونحن العرب الأمة الوحيدة التي يخطط لها الآخرون! رب عجل لهذه الأمة بالهدى إلى سبيلك فهو سبيل الحق.
عن “الشرق” القطرية