حديث القدس
ليس غريبا أو مفاجئا أن ترحب دولة الاحتلال أمس، بقرار حليفها الرئيس الاميركي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لا لشيء سوى لموقفها الشجاع والمبدئي والمنسجم مع القانون الدولي والانسانية المتحضرة، بالتحقيق بجرائم الحرب الاميركية في افغانستان والتحقيق بجرائم الحرب الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية .
ترامب ونتنياهو اللذان يريان المحكمة الجنائية الدولية عدوا ويرفضان القانون الدولي الذي أجمعت عليه البشرية، ويشنان حملة شعواء هستيرية ضد القرارات الدولية والامم المتحدة ووكالاتها منذ زمن وصولا الى الانسحاب من بعض المنظمات الدولية ووقف تمويلها، يشكلان وجهين لعملة استعمارية واحدة تنتمي الى واقع عفا عليه الزمن ولفظته الانسانية منذ وقت طويل، وهما يعتقدان أن اميركا واسرائيل فوق القانون الدولي والشرعية الدولية مستندين الى جبروت القوة والغطرسة التي طالما ميزت القوى الاستعمارية.
ولانعاش ذاكرة ترامب ونتنياهو نقول اولا ان العصابات الصهيونية ومن ثم دولة الاحتلال الاسرائيلي ارتكبت منذ عام ١٩٤٨ وحتى اليوم جرائم حرب يندى لها جبين الانسانية بما في ذلك مجازر وفظائع ضد المدنيين الفلسطينيين العزل في مختلف انحاء فلسطين، عدا عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي في مختلف ممارساتها في الاراضي المحتلة. كما ان الولايات المتحدة الاميركية وعلى مدى عقود ارتكبت جرائم حرب في مناطق مختلفة من العالم سواء في فيتنام او العراق أو سوريا أو افغانستان وغيرها، عدا عن وقوفها حامية ومدافعة عن مرتكبي جرائم الحرب الاسرائيليين.
ولهذا نقول لترامب ونتنياهو ان مواقفهما اللاإنسانية هذه لا يمكن بأي حال أن تهز الضمير الانساني ولا أن تردع اؤلئك الذين يتصدون لهذه الجرائم الاميركية والاسرائيلية سواء في المحكمة الجنائية الدولية أو مختلف وكالات ومنظمات الامم المتحدة، ولا يمكن ايضا ان تردع الشعب الفلسطيني عن مواصلة نضاله العادل لانتزاع حريته واستقلاله ولمحاسبة ومعاقبة كل مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعوب الاخرى.
ولا بد من القول أن من المفارقات الساخرة ان يقف زعيم الدولة العظمى الاولى في العالم ويدوس على قيم العدل والحرية وحقوق الانسان بل ويدوس على دستور الولايات المتحدة نفسها ومبادئها وشعاراتها التي طالما اتحفت العالم بها. كما ان من المفارقة ان يقف الى جانب ترامب رئيس وزراء دولة الاحتلال التي طالما تشدقت بأنها تشارك دول العالم الديمقراطي مبادىء الحرية والعدالة وحقوق الانسان وهي التي لا تزال تمارس احتلالا غير مشروع وتدوس حقوق الانسان الفلسطيني واصبحت العنصرية ممارسة ونهجا راسخا لها.
إن ما يجب ان يدركه ترامب ونتنياهو وأمثالهما، أن البشرية التي قدمت تضحيات جساما للوصول الى نظام دولي حضاري يحفظ حقوق الانسان وتحكيم تصرفات الدول بقانون دولي ويحاسب ويعاقب من يتعدى على هذه القوانين والحريات لا يمكنها ان تخضع اليوم لشريعة الغاب التي يريدها ترامب ونتنياهو ولا لأطماع الهيمنة والاكراه والاستعمار الجديد القديم حتى وإن غُلّف بشعارات خادعة يطلقها أعداء البشرية للتغطية على جرائمهم ضد الانسانية. وسيواصل كل انصار الحق والعدل والحرية التصدي بشجاعة وثبات لهذا النهج الذي يمثله ترامب ونتنياهو غير عابئين بجبروت القوة وسيكون النصر حتما حليف الشعوب المناضلة والعار كل العار لأولئك المناهضين للحرية والعدالة وللعنصريين على اختلاف اشكالهم.