بقلم فيصل أبو خضرا
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
بداية، يبدو ان الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وحليفتها إدارة ترامب تسابقان الزمن قبل الأول من تموز القادم، الموعد الذي حدده نتنياهو للشروع بإجراءات ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، للاتفاق على مساحة وتوقيت الضم . فها هو اجتماع كبار المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض الذي عقد الأسبوع الماضي لبحث الضم، وها هو وفد أمريكي يصل إسرائيل لبحث خرائط الضم التي استكمل إعدادها تقريبا تمهيدا لما سيعلنه ترامب قريبا بهذا الشأن.
وفي الوقت نفسه يتبنى كل من ترامب ونتنياهو نهجا عنصريا آثارا تنديدا عالميا فالأول ترامب ويمينه وعنصريوه البيض يمارسون تمييزا عنصريا ضد الأمريكيين ذوي البشرة السوداء والملونين والثاني، نتنياهو يتبنى مع يمينه الاستعماري نهجا عنصريا ضد الفلسطينيين خاصة والعرب عموما، وكلاهما وجهان لعملة استعمارية عنصرية يرفضها كل أحرار العالم.
المتابع لما يجري في امريكا يكتشف التناقض الصارخ بين ما ينص عليه الدستور الأمريكي حول مناهضة العنصرية و تبني الديمقراطية وحقوق الانسان وتقرير المصير وما يجري على الارض من انتهاك لكل ذلك. كما ان المتابع لما يجري في فلسطين المحتلة يدرك التناقض الواضح بين الشعارات التي يتشدق بها قادة الكيان الإسرائيلي حول مشاركتهم الغرب قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وبين ما يجري على الأرض من تمييز ضد الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم وتكريس للاحتلال وسرقة الأراضي وإقامة المستعمرات واستهداف الشعب الفلسطيني بوجوده وأمنه وثرواته الطبيعية.
ان نغمة اللوبي الصهيوني المتمثل في منظمة ايباك، هي كذبة كبرى بامتياز ، لان أمريكا هي إسرائيل وإسرائيل هي أمريكا، وزرع السرطان الصهيوني في قلب العالم العربي، ما هو إلا لتكريس العنصرية والاستعمار ونهب الثروات في عالمنا العربي باسم الحرية والديمقراطية، لان السياسة الامريكية في امريكا وفي خارج امريكا تقف دائما مع الدول التي تمارس العنصرية. وشكرا للشعب الاميركي الذي انتخب ترامب لانه خدمنا من حيث لا ندري وكشف حقيقة سياسة إدارته تجاه القضية الفلسطينية.
ان جنوب افريقيا بقيادة مانديلا قد عرت السياسة الامريكية والاسرائيلية، والخطوات التي اتخذها مانديلا بالتحرر من العنصرية جعلت أمريكا ومن بعدها إسرائيل الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان مازالتا تمارسان العنصرية .
إن مقتل الامريكي ذي البشرة السوداء جورج فلويد من قبل أربعة من رجال الشرطة ، قلب الطاولة على السياسة الامريكية التي تمارس العنصرية مثلها مثل إسرائيل، والذي كشف هذه السياسة رئيس النيابة في مينيابولس الذي أعلن ان هذه الجريمة تصل فقط الى الدرجة الثالثة، أي ان القاتل لم يقصد القتل، والعقوبة تصل فقط الى أربع سنوات سجن، وأيد النائب العام المعين من قبل ترامب ما برره النائب العام في مينيابوليس.
واليوم نرى أن سياسة الإدارة الأميركية تدعم الاحتلال والعنصرية في العالم وخصوصا دولة الاحتلال الأسرائيلي امتدادا لدعم إقامة إسرائيل في قلب العالم العربي. ولا ننسى بأن بريطانيا وفرنسا اتفقتا على استعمار الدول العربية في العام ١٩١٦ باتفاقيتهما المسماة اتفاقية سايكس بيكو. وفي العام ١٩١٧م أعلن وزير خارجية بريطانيا بلفور وعده المشؤوم بإقامة كيان يهودي صهيوني في فلسطين.
اليوم نرى أن أمريكا تعيش أزمة حقيقية بين البيض المتشددين عنصرياً مثل ترامب، اي الجمهوريين، وبين باقي الشعب الامريكي، أي أن أمريكا الآن منقسمة ما بين السود من أصل افريقي ولحقهم الكثير من الديمقراطيين وهم من أصل افريقي، ومن الامريكان من أصل جنوب أمريكا، والذين من أصل أسيوي و قسم كبير من الحزب الديمقراطي وبين العنصريين البيض.
أما في فلسطين المحتلة فقد تفوقت العصابات الصهيونية، في عنصريتها ضد الفلسطينيين والعرب عموما ، وحتى ان عنصرية الحاكمين الصهاينة الاشكناز طالت اليهود السفارديم ويهود افريقيا. ولكن عنصريتهم ضد الفلسطينيين تفوقت على ما كانت أمريكا تمارسه على الشعب من اصول افريقية، ما قبل الحرب الاهلية.
ترامب الآن في مأزق حقيقي داخليا، لثلاثة أسباب وهي أولا عدم قدرة امريكا السيطرة على وباء كورونا، وثانيا الأزمة الداخلية بين البيض والسود، وثالثا تراجع مكانة أمريكا وضعفها خارجيا، وهرولة ترامب مهزوما في افغانستان الى ضعفه تجاه ايران والعراق وأخيرا فضائح جون بولتون في كتابه الآخير والذي فضح عقلية ترامب الشريرة لدرجة ان قال ان ترامب رجل خطر.
العنصرية في جميع انحاء العالم سوف تسقط لا محالة بدءاً من اوروبا التي كانت الداعم للوجود الاسرائيلي، واكتشفت متأخرا بأنها كانت مخطئة، لان إسرائيل التي تدعي بانها البلد الوحيد في الشرق الاوسط الذي يمارس الديمقراطية ظهرت على حقيقتها وكذبها وعنصريتها. وهذا ماتبين للدول الاوروبية وللعالم أجمع، خاصة وأن إسرائيل تمارس العنصرية في فلسطين المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى ضد مواطنيها العرب الفلسطينيين في الداخل ٤٨، وهذا ما اكده وزير الخارجية الامريكي جون كيري ، اذ قال إما دولتين فلسطينية واسرائيلية حسب القرارات الدولية ، وإما دولة واحدة عنصرية، ولكن قالها بعد ان فاز ترامب بالانتخابات الامريكية في العام ٢٠١٦م.
وتثار المخاوف الآن في مختلف انحاء العالم من إعادة انتخاب ترامب، خاصة ان منافسه الديمقراطي جو بايدن ضعيف الشخصية حيث يتفوق ترامب عليه بقوة الاقتصاد الامريكي وهو ألهم الأكبر في أمريكا و قوة رجال الاعمال الكبار الذين يستفيدون من اعادة انتخاب ترامب، وقوة الانجيليين البيض وايضاً البيض من غير الانجيليين، لان قانون الانتخابات في امريكا يأخذ فقط بعدد الاصوات في كل ولاية وليس مجموع الأصوات الكلي لامريكا، كما ان عنصرية البيض مازالت موجودة ومتجذرة.
وهناك ايضا قوة الإعلام اليميني الصهيوني في امريكا كما ان بايدن ليس بعيدا عن سياسة اسرائيل الصهيونية، ولكن صحوة الديمقراطيين المتاخرة لربما تقلب السياسة الامريكية تجاه العنصرية، التي عرت السياسة الامريكية بعد مقتل جورج فلويد و ريتشارد بروك ذوي البشرة السوداء، مما اعاد للاذهان الحرب الاهلية الامريكية بين الشمال والجنوب الداعم للعنصرية. وفيما ركعت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية على الارض لمدة تسع دقائق تاكيدا وعطفا على مقتل جورج فلويد الاسود من اصول افريقية وبينما قام المحتجون الأمريكيون بتدمير النصب التذكارية لقادة امريكيين اوائل من العنصريين فان ترامب رفض ازالة رموز القادة العنصريين في جنوب امريكا.
هذه هي امريكا اليوم التي تمضي بجنون تحت إدارة ترامب في دعم إسرائيل العنصرية الاستعمارية ليشكلا معا وجهين لعملة واحدة تحاول إعادة التاريخ للوراء وإبقاء البشرية في مستنقع العنصرية والاحتلالات غير الشرعية.
إزاء هذا الوضع، وحيث ان شعبنا الفلسطيني هو المتضرر الأكبر من هذه السياسات الاستعمارية العنصرية فإن أقل ما هو واجب اليوم ان تتوحد الساحة الفلسطينية لمواجهة هذه المخاطر الوجودية بالنسبة لشعبنا وحقوقه. هذا الواجب يفرض اليوم على الجميع انهاء هذا الانقسام المأساوي لأجل فلسطين وان تتوحد جميع الفصائل والمستقلين، حول سياسة واحدة وبرنامج واحد ضد السياسة الامريكية والصهيونية الحالية واعادة اللحمة الفلسطينية بانتفاضة جماهيرية في جميع انحاء الوطن ضد العنصرية والاحتلال ودفاعا عن حقوقنا ومقدساتنا، وليس فقط دفاعا عن الاغوار او المناطق المستهدفة بالضم.
من حق شعبنا ممارسة حقوقه المشروعة كاملة في دولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس وضمان حقوق اللاجئين المشروعة في العودة والتعويض، ونحن لسنا الطرف المعتدي حتى نقدم تنازلات للاحتلال وحليفته امريكا للقبول بإملاءات وشروط تنتقص من السيادة الفلسطينية على كامل التراب الوطني، فقد برهن التاريخ بان اسرائيل هي التي تعتدي وتنتهك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وتنكث بالاتفاقيات التي وقعتها وليس نحن او العرب.
ان الحراك الشعبي الفلسطيني المنظم سيسقط العنصرية والفاشية التي ما زالت تنخر في السياسة الامريكية تجاه قضيتنا ، وسيسقط الضم وصفقة العار الأمريكية
ولا يمكن لهذا الاحتلال وحليفته امريكا بكل جبروتهما وغطرستهما ان يهزما هذه الإرادة الشعبية الفلسطينية الملتفة حول الموقف الشجاع للقيادة الفلسطينية برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس ، هذا الموقف الراسخ المتمسك بحقوق شعبنا المشروعة والرافض لأي انتقاص منها.
هذا الاستعمار وهذه العنصرية مصيرهما إلى زوال وستبقى وصمة العار في جبين ترامب ونتنياهو وكل مؤيديهما من الاستعماريين العنصريين … والله المستعان.