بقلم: الدكتورة أماني القِرِم
حققت اسرائيل إنجازاً تكنولوجيًّا رفيع المستوى في منظومتها الدفاعية الاستخباراتية بعد نجاحها بإطلاق القمر التجسسي “أوفيك 16″، الذي ينضم لعائلة من الأقمار الاسرائيلية القابعة في السماء لتُحكم به دائرة التغطية الجوية على منطقة الشرق الأوسط، وتلتقط كلّ شاردة وواردة في بقاع بلاد العرب وبلاد فارس وأراضي الأتراك وما يحدث فيها فوق الارض وتحتها من نشاطات نووية وحركة أسلحة تنتقل بين الحلفاء وضد الأعداء.
القمر الجديد الذي ولد كثمرة تعاون تكنولوجي وهندسي سيبراني بين أكبر ثلاث شركات اسرائيلية لأنظمة الدفاع وبتوجيه دائرة الفضاء في وزارة الأمن، مزود بكاميرا تعد الأكثر دقة والأحدث في العالم ويدور في مدار منخفض نسبيا ويمكنه تصوير 15 كم مع كل لقطة ! ولك أن تتخيل حجم المعلومات والتفوق الاستخباراتي الذي ستمحنه عائلة الاقمار الاسرائيلية التجسّسية مجتمعة.
ومن المرجح جدًّا أن وحدة الاستخبارات الاسرائيلية التي يطلق عليها (9900 ) والمسئولة عن التحكم في جميع أقمار التجسس قد استلمت أول الصور التي التقطها القمر.. والله وحده يعلم فحواها؟
منذ عقدين من الزمان، تحتل اسرائيل مرتبة متقدمة في قائمة الدول القليلة في العالم التي تتمتع بتقدم تكنولوجي في الفضاء، ليس هذا فحسب بل تعد موطناً عالميًّا للاقتصاد القائم على البحث والتطوير والابتكار، حيث تنفق ملايين الشواقل سنويًّا على تطوير أنظمتها الدفاعية التكنولوجية، وما يعادل 4.5% من ناتجها الاجمالي في مجال الابتكار والتطوير. وهو أمر تعتبره استثماراً متعدد الوجوه وبعيد المدى، أهدافه الاستراتيجية وفوائده المرجوّة تفوق بمراحل قيمة الانفاق عليه:
الهدف الأول منه تعزيز قدراتها الدفاعية وأمنها الاستخباراتي وضمان تفوقها العسكري على باقي بلدان الإقليم، رغم أني أكاد أجزم بأنها تعدت حدود المنطقة منذ فترة.
والثاني هو دمج الصناعات المدنية مع تكنولوجيا الأنظمة الدفاعية المتقدمة والهاي تك في حقل واحد، وبهذا أصبحت اسرائيل محطة جذب استثمارية عالمية لهذا الحقل، ممّا يوفر لها عوائد اقتصادية وفرص عمل وصفقات هائلة بملايين الدولارات . أما الثالث فهو سياسي بامتياز بحيث ربط اسرائيل بشبكة علاقات متشعبة مع دول مختلفة كالهند وفرنسا وألمانيا ودول اسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي جراء تبادل المعلومات والتكنولوجيا المتطورة وهو الأمر الكفيل بوضع قيود على القرارات السياسية لتلك الدول خاصة عندما تتعلق المسالة بالحق الفلسطيني!
وربما يتساءل سائل كيف وصلت اسرائيل الى هذه المرتبة المتقدمة في سوق التكنولوجيا؟ والاجابة ببساطة تكمن في تقليد يهودي قديم يكمن في “تحويل اللعنات الى بركات”، حيث تغذية الاحساس المستمر بالتهديد في الشخصية اليهودية، مع تنشئتها في ظل بنية تحتية تعليمية مشبعة بالتكنولوجيا ترتكز على تنمية العقول البشرية، مع دعم مالي هائل للشركات الصغيرة والناشئة والحاضنات الالكترونية التي تشجع أفكارا من خارج الصندوق مع منظومة قانونية تسهل الأمر على المستثمرين والشباب.
علّ وعسى نعي ونفهم أن عيون اسرائيل تراقبنا في السماء ولا تهدأ على الأرض!
بالمناسبة الاختبارات على القمر “أوفيك16” قد تمت في ذروة الاغلاق بسبب كورونا.
amaney1@yahoo.com