بقلم: سهيل كيوان
كتبتُ في صفحتي بموقع التواصل الاجتماعيّ “فيسبوك”، أن الحقد لن يصنع كاتبًا جيّدًا، وكذلك لا أؤمن بمبدعٍ ثقيلِ الظلّ، فعقّب أحد الأخوة بالقول، إن في الحقد قوة كبيرة، وقد يُترجم إلى إبداع، وذكر هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي، كمثال.
في الحقيقة، إنها مسألةٌ فيها نظر، وأعتقد أن الغضب والحزن “المقدّس”، هو الذي يُبدع وليس الحقد، فالحقد يعمي البصيرة، ويوقع المبدع في أخطاء مهما كان إبداعه عظيمًا، وفي النهاية لا يصحُّ إلّا الصحيح.
بلادي بلادي لسيّد درويش، مديح الظل العالي لدرويش،”موطني” لإبراهيم طوقان، و”منتصب القامة أمشي” لسميح القاسم، عبّرت عن حب وكبرياء وحزن وغضب وليس عن حقد.
المبدع يغضب ولا يفقد إنسانيته، أما إذا انحرف وكان دافعه الحقد، فعلى الأرجح أنه سيرتكب حماقات، وما هو مخالف لقيمة الإبداع، مثل العنصرية.
يُعيّر المتنبي في قصيدته “عيد بأي حال عدت يا عيد”، كافورًا، بلون بشرته الأسود، وبقدرته الجنسية، قائلا:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه.. إن العبيد لأنجاس مناكيد.
من علم الأسود المخصي مكرمة.. أهله البيض أم آباؤه السود.
من وجهة نظري، إن بقية الأبيات الهجائية في هذه القصيدة نفسها أرقى بكثير من الأبيات ذات الصبغة العنصرية، مثلا عندما يقول:
إني نزلت بكذابين، ضيفُهم.. عن القرى وعن الترحال محدود.
جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان، فلا كانوا ولا الجود.
ما يقبض الموت نفسًا من نفوسهم إلا في يده من نتنها عودُ.
نامت نواطير مصر… إلخ.
هذا الهجاء راق، ويحوي صورا فنية كما المتنبي.
وفجأة تهبط القصيدة إلى حضيض العنصرية العرقية، فيعيّره بلون بشرته، وفي هذا الشعر إهانة وعنصرية ضد السّود، وبرأيي المتواضع من العيب والعار على أي وزارة تعليم عربية تسمح بإدخال هذه الأبيات في منهاجها الدراسي – إذا وُجد كهذا -، بل يجب منع هذه الأبيات من الانتشار وحذفها لأنها تدعو إلى العنصرية، وتناقض القيم الاجتماعية والدينية، ليس فقط لأن عشرات ملايين من العرب هم من أصحاب البشرة السوداء، ودول بأكملها مثل السودان وموريتانيا وجزر الرأس الأخضر والصومال وإريتريا، بل لأن نشر العنصرية ممنوع مبدئيًا.
بسبب حقد المتنبي، نشأَت على مثل هذه الأشعار ذات الطابع العنصري، أجيال، وما زالت تنشأ وتردّدها، وأعتقد أن عشرات ملايين من العرب شعروا بإهانة وكراهية لهذا الشاعر ولمن يردّدون هذه الأبيات، وأعتقد أنها تنمّي عنصرية في وعي أجيال أمة متعددة الأعراق والألوان. وهذا يسبب حرَجا وينمّي البغضاء، ويشوّه الواقع.
إن النّموذج الإنساني العربي التاريخي في هذه القضية هو النبي محمد (ص) وليس المتنبي أحمد بن الحسين.
النبي (ص) الذي قال: “لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى”.
تحت وطأة الاحتلال وجرائمه، سقط البعض من كتابنا وشعرائنا وسياسيينا المعاصرين، في هذا الفخ، عندما راح بعضهم يهجو الفلاشا بسبب لونهم، ويقول إنه يزداد كآبة وغضبًا لأن جنديًا أو شرطيًا من الفلاشا هو الذي أوقفه، أو طلب بطاقته الشخصية، وكأنه يقول إن الجندي الأشقر يمكن تحمله بشكل أو بآخر، أما الأسود فهي مصيبة كاملة!
وهذا منطلق مرفوض، فنحن نكره المحتل وممارساته ورموزه ومنفذي سياسته، لأنهم شركاء في الاحتلال، وليس بسبب عرقهم، سواء كان أثيوبيًا أو روسيًا.
والشيء بالشيء يُذكر، فقد اشترك المرشح لرئاسة الولايات المتحدة، جو بايدن، في ما يسمى “قمة مليون صوت مسلم”، وقال إنه سيرفع من وعي الأميركيين بالإسلام من خلال المدارس الأميركية، وبأنه فور فوزه سيرفع حظر السفر الذي فرضه ترامب إلى دول إسلامية وعربية، وسيعمل على أن يكون للفلسطينيين دولتهم الخاصة.
من الملاحظ أن مرشحين ديمقراطيين قبله لم يجرؤوا على هذه الخطوة، وحافظوا على مسافة من هذه المجموعة، حتى الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، وذلك خشية خسارة أصوات من طرف البيض، وهذا كان سببًا في امتناع كثيرين من السود المسلمين عن التصويت.
في المعايير الحالية تعتبر خطوة جو بايدن ممتازة، وذلك في حال نجح في الانتخابات ونفّذها، فهي تخفّف من غلواء العنصرية ضد المسلمين والعرب لدى الأجيال الأميركية الصاعدة، التي أجّجها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشعبويته.
نحن لا ننتظر حل قضايانا من خلال بايدن، ولكن بلا شك أن موقعه وسياسته كرئيس للولايات المتحدة له تأثير كبير على الأجواء الإقليمية والعالمية، وإذا فاز بايدن مع مثل هذه الطروحات، فهو يعبّد الطريق في المستقبل لمرشحين أفضل منه وأكثر قربًا من إنسانيتهم، وهذا بلا شك ينعكس على قضيتنا وقضايا منطقتنا وعلى العالم كله.