إدارة “فيسبوك” تخالف حق حرية الرأي والتعبير ومحاولة مصادرة اراء الفلسطينيين

بقلم: الدكتور سعيد شاهين*

دأبت إدارة “فيس بوك” وبعض تطبيقات الشبكات الاجتماعية في الآونة الأخيرة على فرض عقوبات على الكثير من الفلسطينيين في الداخل والشتات بحذف ومنع وتجميد حساباتهم لفترات زمنية متفاوتة طبقا لمعايير يبدو انها وضعتها بالتنسيق مع جهات امنية إسرائيلية وصهيونية في محاولة لمنع وصول الرواية الفلسطينية للآخر ومواجهة المخططات الإسرائيلية والأمريكية وعلى رأسها فرض حلول سياسية مرفوضة فلسطينياً .

ويبدو أن هذا النهج يتماشى مع السياسة العليا للإدارة الأمريكية في ما يخص إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بموجب صفقة القرن التي صاغتها إدارة ترامب بقرار إسرائيلي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية.

وتحت ذريعة مخالفة قواعد النشر لديها تحاول ادارة Facebook وقف كل الصفحات التى تعري وتكشف جرائم وممارسات الاحتلال وتظهر عنصريته وتساوق السياسة الأمريكية مع سياسات دولة الاحتلال والانحياز الكامل لها.

إن إنشاء المقر الإقليمي لشركة Facebook في اسرائيل مكنها من مراقبة كل محتوى يتم نشره عبر حسابات المواطنين الفلسطينيين، ما ساعد أجهزة الأمن الإسرائيلية على متابعة آراءهم وتتبعهم على خلفيتها واعتقال البعض منهم وفرض منع أمني على آخرين .

وما يؤكد تبعية هذه الشركات للصهيونية العالمية قيام إدارة عملاق البحث Google بإزالة اسم فلسطين من على خرائطها واستبدالها ب يهودا والسامرة الأمر الذي يؤكد أننا نواجه حربا إعلامية جوهرها محاولة طمس هويتنا الفلسطينية سياسيا عبر هذه المنصات الاجتماعية ومنع الرواية الفلسطينية من الوصول والتغلغل في العقل العام وعدم تشكيل رأي عام مساند لقضية شعبنا الفلسطيني يقف في وجه زيف الرواية الإسرائيلية والتصدي لكل محاولات التذويب.

أمثلة كثيرة يمكن أن نسوقها وآخرها حادثة عارضة الأزياء الفلسطينية الأمريكية بيلا حديدBilla hadeed وقيام إدارة تطبيق انستغرام بحذف منشور لها عبرت فيه عن فخرها بالجنسية الفلسطينية، حيث نشرت عبر صفحتها على “إنستغرام”، والتي يتابعها عبرها أكثر من 31 مليون مشترك، عبارة “فخور لأني فلسطيني”. إدارة التطبيق اعتبرت ذلك نوع من أنواع التنمر أو خطاب الكراهية.

ادارة Facebook استهدفت آلاف الحسابات لفلسطينيين عبروا عن آرائهم بشكل موضوعي في قضايا ذات علاقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتخدم الرواية الفلسطينية للصراع، قوامها أن فلسطين موجودة وحاضرة في العقل الجمعي الفلسطيني وما قامت وتقوم به إسرائيل من ممارسات هو عدوان على الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه التي سلبت منه .

هذه المفردات باتت تشكل تحديا للرواية الإسرائيلية والصهيونية التي تم صياغتها عبر قرن من الزمان من خلال الآلة الإعلامية الصهيونية والتي شوهت صورة الإنسان الفلسطيني ونضاله وزيفت التاريخ والحقائق .لذا باتت تستشعر خطر إمكانية انتصار الرواية الفلسطينية في زمن السوشيال ميديا والإعلام الجديد الذي اذاب الحدود وفتح الفضاءات أمام إمكانية الوصول للآخر ومخاطبته .

لقد اصبحت كلمة فلسطين ترعب ضمائرهم الميتة….وتذكرهم بما سرقوه وفعلوه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني لدرجة أنها انستهم المبادئ التي يتشدقون بها من حرية وحرية رأي وتعبير وجعلتهم لا يميزون بين ما يمارسونه من قمع

حريات وبين معنى ومفهوم خطاب الكراهية الذي يقوم على احترام الآخر وعدم مصادرة رأيه في التعبير عن ذاته وجنسه ولونه ومعتقده.

بالأمس تم حظر حسابي الشخصي لمدة 48 ساعة من قبل إدارة “فيسبوك” فقط لمجرد أنني ذكرت أن فلسطين بلدنا من النهر للبحر واعتبرت ذلك لا يتماشى مع معاييرها ويقع ضمن قائمة مفردات خطاب الكراهية .

ويبدو أن إدارة فيس بوك لا تحترم المواثيق الدولية والتي عرفت خطاب الكراهية hate speech وكما ورد في المادة ( 20.2) من العهد الدّوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة (1966)؛ على أنه “أيّ دعوة إلى الكراهية القوميّة والعرقيّة والدّينية الّتي تشكّل تحريضًا على التّمييز أو العداوة أو العنف”. والكل يعلم أن دولة الاحتلال هي التي تحتل وتمارس كل أشكال العنف والتمييز وتنتهك ابسط حقوق الإنسان بحق الشعب الفلسطيني.

هذه الإجراءات الغير قانونية لا تستهدف الفلسطينين بل كل من يتضامن معهم من أصدقاء وعلى رأسهم ناشطين في حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل BDS وفنانين ومفكرين وصحفيين، وهنا استذكر نجمة البوب الفنانة الامريكية ريحانا والتي حجبت إدارة تويتر tweeter صفحتها لتضامنها مع اهلنا في غزة أثناء عدوان 2014 لمجرد تغريدة كتبت فيها ،” الحرية لفلسطين” و ”اللعنة على الصهيونية” وتعرض نجم الكرة البرتغالي كريستيانو رونالدو لمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية والقائمة تطول.

هذه الحملة المسعورة تنم عن تورط هذه التطبيقات في السياسة التي تصنعها المنظمات الصهيونية الضاغطة بالشراكة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لحجب الصوت الفلسطيني وبالتالي حجب الحقيقة ، كما وتعبر عن مستويات النفوذ لهذه المنظمات في إدارات هذه التطبيقات الغير ابهة بالغاية التي أنشأت لأجلها وهي الإتصال و التواصل.

ما يثير الريبة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أصدرت قرارها بمنع تطبيق tik tik الصيني الشهير في الولايات المتحدة الأمريكية مدعيةً أنه يعرض أمنها للخطر، في ذات الوقت هذا التطبيق يستخدمه الفلسطينيون بشكل واسع لإيصال رسالتهم كونه لا يخضع للرقابة الإسرائيلية أو الأمريكية ولا يستبعد أن يكون هذا السبب وراء منعه .

منظمات دولية تعني بحرية التعبير مثل سكاي لاين ( skyline ) إلى جانب 70 منظمة حقوقية اعتبرت إجراءات هذه التطبيقات بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني تقويضاً لحرية الرأي والتعبير وانتهاكاً لأحد أهم حقوق الإنسان ومطالبتها بحماية هذا الحق وإزالة الرقابة على المحتوى.

ويبقى أن نقول إن يد الصهيونية رغم طولها وقوة قبضتها على السياسات التحريرية هذه التطبيقات الاجتماعية لن تتمكن من اغتيال الصوت والرواية الفلسطينية لكونها الأكثر أخلاقية والاكثر التزاما بالمعايير والقيم الإنسانية كونها مستندة إلى الحق وتواجه العنصرية والاحتلال وتفضح القتل والجرائم وتتصدى لها.

*أكاديمي فلسطيني/ جامعة الخليل

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …