بقلم : راسم عبيدات
نحن ندرك تماماً بان العلاقات التطبيعية بين العديد من دول النظام الرسمي العربي المنهار ودولة الإحتلال،تمتد لعشرات السنين وكانت تجري في السر ومن تحت الدولة،وخاصة في مجالات التعاون والتنسيق الأمني والإستخباري والعسكري …ولعل المتغيرات الكبرى التي حدثت في العديد من دول النظام الرسمي العربي من حيث البنية والدور والوظيفة،وتمكن تحالف البرجوازية الكبرى وقوى الكمبرادور في هذا النظام، من أن تنتصر على البرجوازية الوطنية في هذا النظام،وتنتقل به من نظام رافض للتطبيع والصلح والمفاوضات والإعتراف بإسرائيل،(لاءات الخرطوم الثلاثة) الى نظام يشرعن ويرسم علاقاته التطبيعية بدولة الإحتلال علناً ويقيم معها العلاقات ويتبادل معها السفراء ويعترف بها ويتصالح معها… لذلك شهدنا التغيير الجذري في بنية ودور ووظيفة هذا النظام، نظام بتوقيعه لإتفاقية “كامب ديفيد” على الجبهة المصرية مع دولة الإحتلال في 17/9/1978 ،حيث اخرجت تلك الاتفاقية مصر بثقلها العسكري والبشري والسياسي من ساحة الصراع مع العدو الصهيوني،وأستدخل السادات ثقافة الهزيمة وبأن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا…ومن بعد ذلك كانت اتفاقية وادي عربه مع الأردن تموز/1994،ومن بعد ذلك اتفاقية اوسلو الإنتقالية الكارثية في ايلول 1994 والتي شرعت ابواب التطبيع مع الإحتلال الصهيوني واصبح التطبيع الفلسطيني جسراً للتطبيع العربي مع الإحتلال …واستمر النظام الرسمي في تطبيعه السري مع دولة الإحتلال،حيث عقدت القمة العربية في بيروت آب/2002،وأقرت مبادرة السلام العربية،والقائم جوهرها على الأرض مقابل السلام ولا تطبيع عربي بدون عودة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967 وعاصمتها القدس،وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين ضمن حل متفق عليه،ولكن تلك المبادرة كانت اسرائيل تستمر في رفضها وخرقها للقانون والإتفاقيات الدولية وتستمر كذلك في خلق وقائع على الأرض ونهب الأرض الفلسطينية واغراقها بالمستوطنات،وبسبب حالة العجز والإنهيار في دول النظام الرسمي العربي، وكان يجري ترحيل تلك المبادرة من قمة عربية الى أخرى والهبوط بسقفها لكي تقبل بها اسرائيل،ولكن اسرائيل كانت تقول ما هو مقبول من مبادرتكم فقط، التطبيع وسلام مقابل سلام ولا دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر..
لم تسود فقط ثقافة استدخال الهزائم التي أتى بها السادات،وبان الكف لا يناطح مخرز،بل شهدنا بان هذا النظام “اوغل” في الإستسلام، هذا النظام كان يحاول ان يستر عورته بورقة التوت امام الشعوب والجماهير العربية،ولكن جاءت التطورات اللاحقة،وخاصة قيام ما يسمى بثورات الربيع العربي،والتي هدفت بالأساس الى تفكيك واعادة تركيب الجغرافيا العربية على اسس مذهبية وطائفية خدمة للمشروع الأمرو صهيوني في المنطقة ،لتثبت بأن هذا النظام العربي لا يمتلك لا إرادته ولا قراره السياسي لا في شؤونه الداخلية ولا الخارجية …ولذلك عمل على حرف الصراع عن أسسه وجوهره من صراع عربي اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع مذهبي اسلامي اسلامي ( سني – شيعي)،وبأن العدو المركزي للأمة العربية وامنها القومي واستقرارها هو ايران وفق التوصيفات الأمريكية لهذا النظام،خلق ” البعبع” الإيراني من أجل “استحلاب” دول الخليج مالياً واستمرار إحتلالها عسكرياً عبر القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة على أراضيها.
التطبيع ما بين العديد من دول النظام الرسمي العربي وبين دولة الإحتلال،لم يشرعن ويرسم،وبقي محصوراً من خلال أنشطة وفعاليات رياضية وسياحية واقتصادية وتجارية…والإمارات العربية كانت السباق في هذا المجال،وكانت تعتبر الشريك الرئيسي والموثوق لدى امريكا الى جانب اسرائيل،فهي قامت بالكثير من الأدوار في العالم العربي،حيث كانت تشكل الداعم الرئيسي للقوى الظلامية والإرهابية في سوريا من حيث التمويل والإحتضان،وكذلك المشاركة في الحرب العدوانية على اليمن وهي طرف رئيسي في دعم جماعة حفتر في ليبيا وحرب المافيات والعصابات والمصالح على السلطة هناك( السراج وحفتر).وانف الإمارات تجده بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان وفلسطين والعراق والسودان ..
الإمارات العربية سجل طويل من التطبيع السري والتنسيق العسكري والأمني والإستخباري مع دولة الإحتلال،ولكن تلك العلاقات السرية،لم يعد يرضى بها نتنياهو،فهو يريد ان تنتقل تلك العلاقات الى مرحلة العلن وعلى رؤس الأشهاد،ومن بعد اعلان الإدارة الأمريكية عن صفقة القرن الأمريكية ،صفعة العصر لتصفية القضية الفلسطينية وشطبها بكل ركائزها،تلك الصفقة التي هي ثمرة جهد امريكي- اسرائيلي مشترك وبدعم من بعض الدول العربية في اطار مواجهة محور المقاومة وفي مقدمته ايران،هذه الصفقة واجهت الفشل والإستعصاءات على أكثر من جبهة، فهناك موقف فلسطيني رافض ومتماسك رسمياً وشعبياً،ومحور مقاومة يخلق معادلات جديدة ويمنع تطبيق هذه الصفقة،وخاصة مشروع الضم الذي اتت عليه هذه الصفقة،ولذلك كان لا بد من خطوة كبرى تعوض نتنياهو وترمب عن ازماتهما الداخلية،وتحقق حلم مؤسس الدولة الصهيونية بن غوريون بالإنتقال من مرفأ حيفا الى مرفأ الخليج العربي كبديل عن مرفأ بيروت الذي جرى تفجيره وايدي اسرائيل وأمريكا ليست بعيده عنه،وحلم بيرس ثعلب السياسة الإسرائيلية بإقامة الدولة العبرية من النيل الى الفرات،عبر ما سماه بتزاوج رأس المال العربي مع التكنولوجيا الإسرائيلية والأيدي العاملة العربية الرخيصة…التطبيع العلني الإماراتي كسر كل المعادلات وقرارات الشرعية الدولية وقرارات القمم العربية وقرارات مبادرة السلام العربية،فلم يعد هناك أرض مقابل سلام،بل سلام مقابل سلام،ووجود اسرائيل شرعي وطبيعي في المنطقة …صحيح بان صفقة القرن فشلت في أن تكون مشروع سياسي لتصفية القضية الفلسطينية،وان التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي لا ينشىء حقوقا ولا يترتب عليه التزامات ،وهو سقوط سياسي واخلاقي واستراتيجي وارتماء في حضن اسرائيل واستسلام لها،واعتراف بان القدس عاصمة لدولتها والإعتراف بإجراءاتها العدوانية بحق الأقصى والقيامة وضم اجزاء من الضفة الغربية،وتجريم للنضال والمقاومة الفلسطينية والعربية وطعنة لكل تضحيات شعبنا وأمتنا…ولكن ما هو أصح بأن خط سير هذا التطبيع سيتصاعد في المنطقة،وهناك دول اخرى على طريق الإمارات، وهناك المايسترو الذي يدير العملية كاملة سيبقى في الظل لبعض الوقت،لكي يقول نحن رضينا وقبلنا بما قبل به العرب،…ومجابهة ما حصل يجب ان تكون عبر التوجه للجماهير العربية والإسلامية لكي تمارس دورها وضغوطها على انظمتها لكي تتراجع عن هذا النهج الخطير والمدمر،ومن يحلم بان ابا الغيظ سيطرد الإمارات من الجامعة العربية او يستقيل فهو واهم،ومن يعتقد بانه يمكن طرد الإمارات من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي واهم أيضاً،فمن يتحكم بمصير الجامعة وقرارها،هي دول الخنوع والذل العربي،التي تقف الى جانب الإمارات فيما قامت به من خطيئة..لا رهان على النظام الرسمي العربي …لا بد من تحرير القرار الفلسطيني من الإرادة الخليجية العربية المتامرة والمشاركة في تصفية قضيتنا الفلسطينية،ولا بديل عن تشكيل قيادة انقاذ للشعب الفلسطيني بعد انهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
Quds.45@gmail.com