بقلم: سهيل كيوان
في السادس من تشرين الأول من عام 1973، الموافق العاشر من رمضان، انطلقت شرارة حرب تشرين الأول، وكانت أول ردّة فعل للجماهير العربية على الخبر، هي القفز والصراخ فرحًا، الله أكبر أكبر، الجيش المصري عبر قناة السويس ودمّر خط بارليف، والسّوريون اقتحموا الجولان، إلا أن هذه الردود ما لبثت أن تحوّلت إلى خوف، من أن يكون إعلان عبور قناة السويس كذبة مثل كذبات حرب 1967.
لم يكن معظم الناس قد تخلصوا من فكر الهزيمة الذي رسّخته دعاية إسرائيل وعملائها، ولم يصدّق هؤلاء ما يحدث حتّى اعترفت إسرائيل بما يجري، وظهرت غولدا مئير منتحبة على شاشة التلفزيون، في كلمة إلى الشعب والعالم طالبة الرحمة والعون. إلا أنه ورغم ذلك، هناك من ما زال يشكك بأن حرب السادس من تشرين الاول ٧٣ كانت مخطّطة ومتفق عليها، وأن أميركا قرّرت أن تمنح السادات انتصارًا بسيطًا كي ينتقل بعد ذلك إلى اتفاقية السلام.
هذا الفكر الانهزامي، الذي لا يثق بقدرات العرب، تحول لدى البعض إلى حالة مرَضية، فكل ما يحدث على أرض الأمة العربية مخطط له في أميركا وفي إسرائيل، ولا ننسى الماسونية العالمية وغيرها.
التشكيك في قدرات العدو واحدة من مهمات أجهزة الأمن في كل دول العالم، وعلى الإعلام تقع مهمة تثبيط معنويات العدو وتكريس الشعور بالعجز، الذي يعني عدم القدرة على التغيير أو المواجهة.
نتيجة لهذا الفكر الانهزامي، لم يصدّق كثيرون حتى يومنا هذا، بأن الشعوب العربية انتفضت على الظلم وعلى الدكتاتوريات، ولم يصدقوا أن ملايين العرب خرجوا بصورة عفوية، مستعدين لدفع ثمن حريتهم. ويتمسك هؤلاء بكل كلمة أو شريط أو تحليل يثبت نظرية التآمر، آخرها كان ما يسمى وثائق هيلاري كلينتون، حيث أسرع البعض ليعتبرها وثائق تثبت تآمر أميركا مع الإخوان المسلمين على الأنظمة العربية!
حسنا، السؤال هو ما الذي لم يعجب أميركا وهيلاري كلينتون في سياسة زين العابدين بن علي مثلا؟ وما هي مواقف زين العابدين العروبية الثورية التي أغضبت أميركا حتى تكيد له، وتجعل من حرْق البوعزيزي لنفسه منصة للقفز وإشعال ثورة شعبية ضده أرغمته على الهرب ليس إلى فنزويلا بل إلى السعودية؟
ثم لماذا انطلقت في الفترة ذاتها مظاهرات في السعودية والبحرين وعُمان وعَمّان؟ هل أنظمة هذه الدول مغضوبٌ عليها لدى أميركا وآل كلينتون؟
ثم هل أرادت أميركا التخلص من حسني مبارك بالتخطيط مع الإخوان المسلمين كما يطبّل بعض أبواق الدعاية الحزبية العمياء؟ هل أغضب أميركا فساده وملياراته وإعداده لابنه جمال تولي السلطة من بعده؟ أم أغضبها موقفه المحايد منذ حصار بيروت عام 1982 إلى حصار عرفات إلى حصار قطاع غزة؟
هناك من يزوّر ما جاء في رسائل كلينتون ويحاول توظيفها لتحليلاته المريضة. في الحقيقة، إن ما حدث في العالم العربي فاجأ أميركا والعالم، ورأت كلينتون أنه من الحكمة فتح قنوات للاتصال مع القوة العربية الصاعدة، القوة التي قادت الشارع وأرغمت زين العابدين ومبارك على التخلي عن الحكم، فقد أصبح واضحًا لها بأن زمن هؤلاء قد انتهى، ولكن هذا لا يعني أنها تآمرت عليهم وأنها تفضل الإخوان أو أي نوع من الأنظمة البديلة عليهم!
ثم ما الذي لم يعجب أميركا بأنظمة لم تطلق رصاصة من حدودها على إسرائيل منذ عام 1973، باستثناء القوات المشتركة اللبنانية حتى طرد منظمة التحرير من بيروت عام 1982؟ وما الذي لم يعجب أميركا من أنظمة اصطفت إلى جانبها في حربها ضد العراق ومحاصرته؟
ما الذي لم يكن يعجب أميركا في سياسة علي عبد الله الصالح في اليمن حتى تتآمر عليه؟ وهل اجتماع كلينتون مع الناشطة في مجال حقوق الإنسان، توكّل كرمان، في السفارة الأميركية يعني الانقلاب على علي عبد الله الصالح؟ وهل لدى فتاة مثل توكّل كرمان شعبية قادرة على تحريك ملايين الرجال اليمنيين ضد نظام الحكم في مجتمع ما زال يعتبر المرأة ضلعًا قاصرًا؟
هناك حقيقة يرفض أصحاب الفكر المهزوم والتحريفي تذويتها، وهي أن الشعوب قادرة على الثورة وعلى التغيير، وأن أميركا والصهيونية والدكتاتوريات العربية بكل أطيافها وأقنعتها ليست قضاءً وقدرًا، وهناك من يعرفون هذه الحقيقة، ولكنهم لا يتقبلون أي حركة شعبية ما لم تكن تحت قيادة أحزابهم وإلا فهي مشبوهة وخائنة ومتآمرة!
في حرب عام 1973 لم يكن أي تآمر بين أميركا والسادات على “بهدلة” جيش إسرائيل، بل هُرعت أميركا للعمل على استيعاب ما حدث واستغلاله لصالحها، وهذا ما حدث من خلال دعمها المباشر لإسرائيل وبدء المفاوضات، وكذلك الأمر في عام 2010، فهي لم تكن معنية بإشعال ثورات عربية بدأت بالذات ضد حلفائها، بل في كيفية احتواء هذه الثورات، ثم تخريبها، حيث تركّز دور أميركا وعملاؤها في تغذية حركات وتنظيمات إرهابية مثل “داعش” بالمال الإماراتي والسعودي لإجهاض الثورات ومنع الشعوب العربية من قطف ثمار ثوراتها.
هذا ينطبق على انتفاضة الشعب اللبناني التي تأخرت إلى العام 2019، والتي يحاول اليوم بعض أقطاب السلطة التشكيك في هويتها ودوافعها، وجعلها من ثورات آل ترامب، رغم مصداقيتها الواضحة مثل عين الشمس.
عن “عرب ٤٨”