فلسطين بين “تسكين الاستثمار” “وتسريب الاستثمار”

بقلم: الدكتور سعيد صبري*

5.3 مليار دولار حجم الاستثمارات الفلسطينية في الاقتصاديات العالمية حسب تقارير حديثة، حيث تشير التقارير السابقة ان النمو في الاستثمارات الفلسطينية في السوق الاسرائيلي بتصاعد، وقد اظهرت الدراسات السابقة التى تم اعدادها من قبل باحثين فلسطينيين ان الاستثمارات الفلسطينية باسرائيل وصلت في عام 2010 الى 2.5 مليار دولار، ويعتقد حسب مصادر بحثية ان قيمة الاستثمار قد زادت لتصل الى قرابة 3 مليارات دولار، وتتركز هذه الاستثمارات: 25.9 % في قطاع الإنشاءات، 13.1 % في التجارة، 21.5 % في الصناعة، 9.6 % في الزراعة، 4.3 % في السياحة، 6.7 % في التكنولوجيا وأنظمة المعلومات، 15.2 % في الخدمات، 4.8 % في قطاعات مهنية، بينما اشارت الاحصاءات الرسمية ان ما يقدر ب 1,9 مليار دولار قيمة الاستثمارات الفلسطينة في فلسطين.

ان حجم الاستثمارات الفلسطينية الخارجية تمثل حلا لقرابة 230 ألف عامل فلسطيني عاطل عن العمل، إنّ هذه الشركات لو استثمرت في فلسطين بكل إمكانياتها وقدراتها لتمكنت من بناء الكثير من المنشآت الاقتصادية التي تدعم الاقتصاد الفلسطيني، وتسهم في حلّ البطالة، وكذلك ستؤدي الى دعم ميزانية السلطة الفلسطينة من خلال التحصيل الضريبي، ان تفوق الاستثمارات الفلسطينية الخارجية على الداخلية يؤدي إلى تضرر الاقتصاد المحلي، حيث إن الاستثمارات في الخارج أكبر من الاستثمارات الداخلية، وبالتالي فإنه يجب البدء في الاعتماد على الاستثمارات الفلسطينية كدخل مالي للسلطة بدلا عن أموال الدعم الخارجي وليكن شعارنا ” تسكين الاستثمار” بفلسطين ، وليس “تسريب الاستثمار”.

السؤال المطروح والأكثر جدلا:- لماذا يقوم المستثمر الفلسطيني في تغريب استثماراته؟

من الواضح جليا ان ادوات الجذب الفلسطينية للمستثمر الفلسطيني ضعيفة مقارنة بادوات الجذب الاقليمية والعالمية للمستثمرين، وتعود لعدة اساب منها:-

اولا: الاحتكار:- ان وجود الاحتكارات الخاصة والعامة، لبعض رؤوس الاموال عزز الدور المهم لهم في التأثير على السياسات العامة، والسيطرة على كل مناحي الحياة الرئيسية بما يتوافق مع احتياجاتهم ومتطلبتهم، وأضعف الفرصة لأي مستثمر آخر التفكير بنوعية الاستثمار.

ثانيا: الوكالات- من الواضح ان الاحتكار بالاقتصاد الفلسطيني امتد ليصل الى يد كبرى الشركات الفلسطينية وتجد ان معطم الوكالات مسيطرة من قبل الشركات الكبيرة، وليست متاحة للمستثمرين الاخرين. وهذا يعود لصياغة قانون الوكالات الذي جاء منسجما مع متطلبات الشركات الكبيرة والسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني.

ثالثا: ان بروتوكول باريس الاقتصادي كان له الأثر الكبير على مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فقد أشار الاتفاق على السماح للسلطة الفلسطينية زيادة بنسبة الضرائب المحصلة من الشركات على الانشطة الاقتصادية بهامش بسيط عن اسرائيل، وقد ادى هذا الاتفاق الى استخدام مستوردين اسرئيليين للتهرب من الفروقات الضريبية، ايضا المعوقات والبروقراطية التى تعيق عملية الاستيراد والتصدير لمنتجات.

رابعا: السياسات المالية: ان حجم استثمار البنوك في المحافظ المالية العالمية يصل الى اكثر من 50% من قيمة الودائع، وتمنح البنوك المحلية نسبة منخفضة كفوائد مقارنة بالفوائد الممنوحة من قبل البنوك الاقليمية والعالمية، وتتحمل سلطه النقد الفلسطيني المسؤولية المباشرة في تغريب المال الفلسطيني للخارج.

خامسا:- بتكلفة الاستثمار والبنية التحتية والتى تعتبر من اعلى التكاليف اقليمبا، وصعوبة استيراد المواد الأولية والمواد الخام، والاستقرار السياسي.

سادسا:- فشل تعزيز التجارة البينية بين السلطة الفلسطينة والدول العربية، واقتصار التجارة على مجالات الطاقة والمحروقات، مع العلم ان حجم التجارة البينية بين فلسطين والدول العربية لا يتجاوز 10 % من مجمل التجارة العربية مع العالم.

سابعا:- السيطرة الإسرائيلية على الحدود والمعابر، وابتزاز اسرائيل الدائم للسلطة الفلسطينية باقتطاع أموال الضرائب.

الاقتراحات للخروج من تغريب المال الفلسطيني:-

اولا: لنجعل اقتصاد فلسطين حرا. غير مقيد باحتكارات خاصة أو عامة.

ثانيا: تشجيع انشاء مصانع فلسطينية وتقديم المحفزات المالية والسياسات لتصدير منتجاتها للسوق الاسرائيلي، ا الصناعة الفلسطينية يمكنها الانفتاح على السوق الاسرائيلي وتصدير عدد من المتنجات الصناعية التي ترفع حجم الصادرات الفلسطينية لتصبح موازية لما نستورده من إسرائيل، وكما هو معلوم فان السلطة الفلسطينية تستورد من اسرائيل سنويا اكثر من 5 مليارات دولار.

ثالثا:- فرصة اعادة صياغة اتفاقية باريس، لجعلها اكثر حرصا على مصلحة الاقتصاد الفلسطيني، وبما ان كاف الاتفاقات مع اسرائيل اصبحت لاغية، فما علينا الا ان نحضر لصياغة جديدة معتمدين على تجربة استمرت اكثر من 25 عاما خسر الاقتصاد الفلسطيني مليارات من مقدراته الاقتصادية والمالية.

رابعا: يتوجب على سلطة النقد مباشرة البدء بمنح حوافز للبنوك العاملة في فلسطين وتغيير سياسة توزيع الاستثمارات للودائع من خارجية الى داخلية عليها منح حوافز للبنوك كي تستثمر ودائعها من خلال التسهيلات الائتمانية في نطاق استثماري داخل فلسطين.

خامسا: اعادة صياغة للقوانين والسياسات الاستثمارية في فلسطين وجعلها اكثر جذبا وواقعية ومتحررة.

سادسا: السعي نحو تفعيل الاتفاقيات البينية بين الدول العربية والدول المجاورة، ومن الواضح ان السلطة الفلسطينة والوزرات ذات العلاقة من اقتصاد وخارجية وزراعة، ولغاية الآن لم تقم بالجهد المطلوب للعمل بناء قاعدة تواصل اقتصادي وتبادل مع دول الجوار مما يحفز القطاع الخاص نحو استثمار نوعي بالقطاع الصناعي او الزراعي.

سابعا: تجهيز البنية التحتية المناسبة للاستثمارات مع اعفاءات ة، وتقليل كلفة الاستثمار للمنشآت الاقتصادية الحيوية، والعمل بشكل حثيث على تطوير قاعدة التصدير للاسواق العالمية، والعمل على بناء جسور تصدير للمنتجات الزراعية للاسواق العالمية وتحديدا من الاغوار الفلسطينية.

ثامنا: تشجيع الريادة الفلسطينية وذلك بتوفير فعال لسياسة الشمول المالي.

تاسعا: ان تخفيض في حجم ونسبة الاستثمارات الفلسطينية في الخارج ستؤدي الى تعزيز دور الاقتصاد الفلسطيني ورفع شأنه، مما سيؤثر ايجابا على تخفيض في نسبة البطالة المتفاقمة وزيادة في الناتج المحلي الاجمالي وكذلك زيادة حجم الاقتصاد الفلسطيني من خلال زيادة الصادرات، ان زيادة الميزان التجاري الفلسطيني يتطلب ان نؤسس منشآت اقتصادية منتجة تستطيع ان تصدر انتاجها للعالم، كما سينعكس على الاستثمار داخل فلسطين بشكل أكبر.

ان عماد دولة المستقبل، تعتمد كيف نؤسس لها، فلنعمل سويا قطاعا عاما وقطاعا خاصا لتأسيس دولة نموذجية، معتمدين على الذات الفلسطينية، ومؤسسين لمستقبل واعد.

—–

* مستشار اقتصادي دولي – وشريك إقليمي وممثل لصندوق المبادرات- فاستر كابتل – بدبي

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …