نظرة ثانية على غزة

بقلم: جرشون باسكن

مرة أخرى، توصلت اسرائيل وحركة حماس الى هدنة مؤقتة ، وهذه المرة بوساطة قطرية. وقد ساهمت الحقائب المليئة بالدولارات التي حملها السفر القطري، محمد العمادي، بتحقيق هذه الهدنة. ومرة أخرى، وعدت اسرائيل بأنه اذا استمر الهدوء فانها ستسمح بمشاريع للبنية التحتية في غزة، بما في ذلك وصل خط كهرباء عال من اسرائيل الى غزه.

هذا، وسيتم استئناف وصول شاحنات الوقود القطرية الى غزة من اجل تمكين محطة الكهرباء المعطلة ة من توفير الكهرباء لعدة ساعات إضافية يوميا. كما ستتم زيادة مساحة الصيد المسموحة مثل الاكورديون.

كلمات المفتاح في هذه الاتفاقية هي “هدنة مؤقتة”، لأن هدوءا دائما لا يمكن شراؤه بـ 17 مليون دولار قطري حتى وان كان دفعات شهرية (ولن تكون دفعات شهرية). تبقى غزه موطن مليوني شخص بدون أمل ولهذا فان الهدنة مؤقتة.

لا يوجد لاسرائيل استراتيجية طويلة الأمد بينما تستمر باستراتيجياتها قصيرة الأمد التي يبدو انها تدعم تحالفا خطيرا مؤيدا للاخوان المسلمين.

ربما مضى الوقت على التفكير في استبدال حماس بنظام متعاطف اكثر. مر وقت طويل منذ ان سيطرت حماس على غزة ويبدو انها تزيد من سيطرتها وقوتها هنا ولا تتسامح أبدا مع أي نوع من المعارضة. ولا يمكن تصور مظاهرات شبابية في غزة كالتي تنظم امام مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي. ولكن هناك أمل بأنه ، يوما ما، سيأتي واقع يسمح فيه للفلسطينيين ان ينتخبوا قيادتهم بانتخابات ديمقراطية ، مرة أخرى.

وحتى حينها ، يصعب التخيل في هذه المرحلة بأن حماس ستسمح بانتخابات حرة لنظام جديد يحكم الضفة الغربية وقطاع غزة. يأمل الكثير من الفلسطينيين بأن يشهدوا انتخابات اصلاحية لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والتي من المفترض ان تمثل الكل الفلسطيني في كافة اماكن تواجده في العالم. وتريد حماس ان تكون جزءا من منظمة التحرير الا ان حركة فتح لا توافق على الصيغه التي تطرحها حماس وهي التمثيل المتساوي وعليه فان من الأرجح ان يحدث ذلك.

السؤال هو هل الهدنة المؤقتة والتفاهمات المؤقتة مع أحداث عنف متفرقة هي أفضل ما يمكن فعله؟

بينما لا تقر اسرائيل وحركة حماس بهذا الواقع الا ان الطرفين كانا يتفاوضان على ذلك وهو ما يسمى بـ”التفاهمات”. لقد أصبحت اسرائيل وحركة حماس طرفين براغماتيين بدون الاعتراف بذلك. لا يريد اي منهما حربا شاملة. اسرائيل لا تريد ان تهزم حماس لأنها لا تريد ان تحكم غزة من جديد. وحماس لا تستطيع ان تهزم اسرائيل ولكنها تستطيع ان تتسبب بخسائر مادية وخسائر بالأرواح، ولكنها تعلم ايضا انها ستدفع ثمنا باهظا على ذلك.

ويستطيع الوسطاء ان يتدخلوا في كل مرة ويعاد الهدوء ولكن هذا الواقع اصبح مسرحا من اللامعقول. فذلك لا يشكل حلا بل ان الدور القطري المتزايد اصبح خطيرا واذ نظرنا لأبعد من تحقيق الهدوء الفوري فانه ليس من مصلحة اسرائيل او المصالح المصرية والسعودية والاماراتية ، أي شركاء اسرائيل الاستراتيجيين، ان تكون قطر جزء من تحالف يشمل تركيا والاخوان المسلمين مما يجب ان يشعل ضوءا احمر في اسرائيل.

ربما لا يمكن لاسرائيل ان تتفاوض مباشرة مع حماس ولكن بصفتي شخصا قام بالتفاوض المباشر مع حركة حماس في الماضي، فان من توصياتي ان يتم كسر الحاجز وان نحاول ذلك. خصوصا أن يحيى السنوار ، القائد الفعلي لحركة حماس في غزة اثبت مرارا وتكرارا بأنه انسان براغماتي ولديه النية للتحاور مع اسرائيل، وانا على ثقة ان جهاز الاستخبارات الاسرائيلي قادر على الوصول لرقم هاتفه المباشر، هو وقيادات اخرى في حماس. ولدي عدد من ارقام هواتفهم بدون ان يكون لدي صلة بجهاز استخبارات.

ومن الممكن ان يرفض السنوار الحديث مع مسؤول اسرائيلي من وزارة الدفاع اذا اتصل به هاتفيا، مثلأ . وهذا ما حدث معي حين حاولت الحديث مع خالد مشعل حين كان في سوريا خلال الفتره التي كان فيها جلعاد شاليط في الأسر. ربما على اسرائيل ان تحاول ان تدلي بتصريحات حول المصالح المشتركة بدلا من التركيز على التهديدات الدائمة لحركة حماس وهو ما اصبح بحكم العادة.

يمكنكم تسمية ذلك تطبيعا من طرف واحد” حيث ان التطبيع أصبح مصطلحا شعبيا. حتى وان لم تستجب قيادة حماس لهذه الدعوات ، فهدفها ليس قادة حماس وانما مصلحة المليوني فلسطيني في غزة. أن تجديد العلاقات الاقتصادية بين اسرائيل وقطاع غزة والضفة الغربية واوروبا والخليج العربي يصب في مصلحة الجميع. والأموال التي يمكن جنيها من تطبيع العلاقات الاقتصادية بين كافة الاطراف اكثر قيمة من حقائب الدولارات التي تأتي بها امارة قطر.

هناك فرص عمل كثيرة لسكان غزة في اسرائيل وحتى في الكيبوتسات في غلاف غزة والتي تضررت بفعل البالونات والطائرات الورقية الحارقة. كما ان هناك امكانية لاعادة بناء المنطقة الصناعية في ايريز او اي مكان اخر على الحدود مع غزة حيث يمكن الاستفادة من الاستثمارات المختلفة بما في ذلك تلك من الخليج العربي وخلق فرص عمل لأهل غزة على امل ان يعود الطرفان للعمل معا.

يمكن لاسرائيل الاستفادة كثيرا من نظرة ايجابية لها من غزة وهذا ما يجب ان يتم العمل على تطويره من خلال استراتيجية طويلة الامد. فان الجيل الشاب في غزه لم يقطع ابدا الحدود مع اسرائيل وليس لديه اي فكرة عن ماهية الواقع هناك. اذ قال لي صديق من غزة يعمل محاضرا في جامعة هناك ان طلابه الذين كبروا تحت حكم حماس ولا يعرفون غير ما تقوله حماس عن اسرائيل، يعتقدون ان اسرائيل ليست دولة حقيقية. كما يعتقدون بأنه يوما ما ستختفي اسرائيل وانهم سيعودون لبيوتهم التي لم تعد قائمة. هذا هو الواقع.

منذ ان تركت اسرائيل غزة في 2005 ما زالت تسيطر عليها بدون احتلال فعلي. وتسيطر هي ومصر على الحدود الخارجية لغزة. وتقرر اسرائيل من يخرج من غزة وما يدخلها. كما تسيطر اسرائيل على الحدود المائية والهوائية لقطاع غزة، بينما تقع غزة تحت رحمة اسرائيل.

هناك مصالح مشتركة كثيرة بين غزة واسرائيل. حين تنقطع الكهرباء عن غزة وينهار نظام الصرف الصحي فان مياه الصرف الصحي تتدفق الى اسرائيل والى بحر غزة حيث تصل عسقلان. كما سيؤثر انتشار الكورونا او اي وباء اخر في غزة بشكل مباشر على اسرائيل ايضا، وهناك الكثير من الامثلة حول المصالح المشتركة.

ولكن أهم ما في الموضوع ان غزة لن تختفي وان المليوني فلسطيني الذين يعيشون في غزة لن يختفوا ايضا. وعليه، فان من الضروري جدا ان نبدأ البحث عن سياسات طويلة الأمد من اجل مستقبل يترك وراءه دوائر العنف والهدنات المؤقته. وربما يكون هذا ايضا هو السبيل من اجل ارجاع جثث هادار جولدن واورون شاؤول بعد ست سنوات واعادة ابيرا منجستو وهشام السيد الى اهاليهم.

*الكاتب رائد اجتماعي سياسي كرس حياته من اجل السلام بين اسرائيل وجيرانها. كتابه الأخير ” البحث عن السلام في إسرائيل وفلسطين” تم نشره بمطابع جامعة فانديربلت وهو متوفر الآن في اسرائيل وفلسطين. سيتم نشره أيضا بالعربية في بيروت وعمان قريباً.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …