بيرني ساندرز نجم مظاهرة تل أبيب ضد الاحتلال

13 يونيو 2020آخر تحديث :
بيرني ساندرز نجم مظاهرة تل أبيب ضد الاحتلال
بيرني ساندرز نجم مظاهرة تل أبيب ضد الاحتلال

بقلم: جواد بولس

شهدت ساحة “رابين” في مدينة تل-أبيب مساء السبت الماضي مظاهرة شارك فيها آلاف المواطنين اليهود والعرب الذين استجابوا لدعوة بادرت إليها الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي ومعهم حزب ميرتس وعشرات الحركات والجمعيات اليهودية والعربية اليسارية.

ستبقى هذه المظاهرة علامة فارقة ومبشرة في زمن، نجحت فيه عربدة اليمين الإسرائيلي وأعوانه، من مختلف المواقع، بإيهام العالم ومعه معظم المواطنين اليهود والعرب بأن جميع المخارج نحو مستقبل مختلف قد سدّت؛ ولم يبق أمام الفلسطينيين الحالمين إلا قبول واقعهم الأسود ونسيان حل الدولتين، واكتفاء المواطنين العرب في إسرائيل، بالمقابل، بما سيمن عليهم به السلطان وهم صاغرون .

لم يكن حضور آلاف المواطنين اليهود في المظاهرة أمرًا متوقعًا ومفروغًا منه؛ وهو لذلك يشكّل مؤشرًا هامًا ودليلًا على اختمار قناعات جديدة بين أوساط يهودية واسعة بدأت تفتش عن مستقبل آمن وتسعى للولادة من جديد في عالم نظيف من الاحتلال ومن قاذوراته وبدون القمع واستعباد الغير وقهره.

ما قاله رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عوده في خطابه الذي تلاه أمام الجموع من خلال شاشة العرض، بسبب تواجده في حجر صحي، وما أضافه زميله النائب الشيوعي عوفر كسيف، يستدعي اهتمام وتوقف الذين ما زالوا، مثلي، مصابين بداء التجدد والشك والأمل ولا يرون بقوالب عوالمهم السياسية “ألواحًا قدسية” ورثوها من زمن “مينا إلى عصر عمرو، ومن عصر عمرو لعصر جمال”. فنحن على مفترق طرق وقد نختار “جادة الأمل” لتأخذنا نحو النجاة، أو نختار “طريق السراب” المطلية بغبار الحق والمرصوفة بالنوايا الحسنة، فستحملنا نحو الهاوية ولعذاباتها الكاوية.

أعرف أن بعض الجماعات بيننا ستستمر في انتقاد هذا “التمني الساذج” ودليلهم، طبعًا، هو طبيعة الصهيونية العقربية، ومشاهد الساحات الإسرائيلية وهي تفيض عنصرية وجشعًا ودماء؛ لكنهم، مع ذلك، يتغاضون عن حقيقة واحدة وهي أنهم لا يقدمون للناس حلولا وبدائل. وعندما تسألهم عن ذلك يلوذون بخيمة الصبر وبعدل الزمن، أو يجيبونك أنهم، كمواطنين بسطاء، ليسوا في موقع تقديم النصائح ولا المخارج، فهذه وظيفة القادة ومسؤوليتهم.

بعضهم يعارض العمل العربي اليهودي المشترك بسبب عقيدته الثابتة وإيمانه بأن الحرب القادمة هي حرب دينية وفيها سيتولى المجاهدون وجنود السماء مهمة القضاء على إسرائيل، كيان الكفر، وسيتم تنصيب أمير جديد للمؤمنين الذي سيحكم المعمورة وأن ذلك الفرج قريب لا بل بات قاب قوس ودعاء.

وعلى الضفة الثانية سنجد جماعات ما انفكت تنتظر، بلا يأس ولا كلل، عودة “غودو الشرق” فهو حتمًا سيأتي من جهات “بلاد العرب” قاطبة وينقض على أركان دولة الباطل ويدمرها ويشيّد للحق دولة لا تغيب الشمس عن جنباتها.

أحترم إيمان كل شخص ورأيه، بيد أنني لا أوافقهم ؛ فمن الطبيعي أن يكون في مجتمع عانى ما عاناه الشعب الفلسطيني مثل هذه الاختلافات الفقهية والسياسية، وفي بعض حالاتها قد تثري وتفيد؛ لكنني لا أرى، في حالتنا، أنه من الطبيعي والمقبول أن تتحول تباينات المواقف السياسية إلى خناجر تستل بسهولة في وجه من دعا إلى هذه المظاهرة كي يمضي ويناضل بطريقته من أجل حقوقه وإنهاء الاحتلال الذي يراه شرطًا لنقل المواطنين العرب إلى مرحلة جديدة في صراعهم على مكانتهم وحقوقهم المدنية والقومية داخل إسرائيل.

لقد أعادت هذه المظاهرة قضية وجود الاحتلال وممارساته ضد الفلسطينيين من جهة، وتأثيره على إمكانية بقاء المجتمع الإسرائيلي ضمن العائلة الإنسانية من جهة أخرى، إلى فضاءات إسرائيل والى شاشات العالم، وذلك بعد محاولات ساستها وإمعانهم في تغييبه والتقدم نحو سيطرة خبيثة على الأرض المحتلة وإبقاء الفلسطينيين كرعايا في خدمة الأسياد.

من المؤسف أن نرى أن إسرائيل ليست الجهة الوحيدة التي تحاول تغييب وجود الاحتلال وموبقاته، فإلى جانبها تعمل حكومات كثيرة في العالم وفي منطقتنا وبعضهم يدعي القربى للفلسطينيين والصداقة، ولبعضهم وكلاء محليين.

ليس من المنصف للتاريخ ولا أخلاقيًا أن نغفل ما قيل على منصة تلك المظاهرة وتقزيمه لمجرد تعريف بعض من قالوه بالصهاينة. فالسياسي الحاذق هو من يوسع جبهة نضاله ويعززها بالحلفاء المستعدين لمواجهة العدو المشترك، وانضمام شخصيات كرئيس حزب ميرتس، هوروفيتش، وزميلته في الحزب، زاندبرغ، والنائب عن حزب العمل، ميراف ميخائيلي، وغيرهم من المتحدثين والمشاركين، إلى صرخة الآلاف ضد الاحتلال وضد سياسة الضم والابرتهايد، تعد خطوة بالاتجاه الصحيح وهي جديرة بالمتابعة وبالاستثمار، لأنها قد تصبح بداية لمسيرة جديدة نحو مستقبل مختلف وعادل وآمن.

لقد توقعت في الماضي حدوث تغيير داخل بعض جيوب المجتمع الإسرائيلي وناديت بضرورة السعي وراءهم واستقطابهم لصالح نضالنا وضد الاحتلال الإسرائيلي، حتى لو استمروا بتعريف أنفسهم بالصهاينة؛ لكنني لم أتوقع أن ينضم إلى منصة عليها تلك الشعارات مرشح لرئاسة الولايات المتحدة بقامة السناتور الأمريكي، عضو الحزب الديمقراطي، بيرني ساندرز، فمشاركته كانت حدثًا استثنائيًا ايجابيًا ومشجعًا وتعد سابقةً .

انه مشهد مميز، سجل فيه هذا الصديق الأمريكي موقفًا على مسمع العالم وقال بلغة واضحة ومباشرة لم نألفها من الساسة الأمريكان: “يُثلج الصدر أن أرى الكثير منكم، عربًا ويهودا، تقفون معًا هذا المساء من اجل السلام والعدالة والديمقراطية، وأريدكم ان تعرفوا أنكم لستم وحدكم فهناك الملايين من الناس في الولايات المتحدة وفي العالم يدعمون هذه القيم الإنسانية والأساسية”.

ليس من الصعب أن يتخيل العاقل كيف شعر قادة إسرائيل وهم يسمعون هذا الكلام من سناتور كاد يدق أبواب البيت الأبيض بقبضتيه الحريريتين؛ وليس من السهل ولا المنطق أن يتغاضى عاقل وغيور فلسطيني عن أقوال ساندرز وهو يؤكد على أن “مسؤوليتنا أن نقف ضد القادة المستبدين، وان نبني مستقبل سلام لكل فلسطيني وكل إسرائيلي” ويتابع بنون الجماعة “اعتقد أن مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين متشابك ، وان جميع أطفالكم يستحقون العيش في امن وحرية ومساواة، ولكي يكون ذلك ممكنا يجب وقف خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية ويجب أن ينتهي الاحتلال.”

من له مصلحة في الاعتراض على هذا الكلام ؟ وكيف ممكن أن يخدم مثل هذا الكلام حكام إسرائيل ؟ ولماذا وكيف يعتبر البعض أن نهج هذا العمل هو مجرد “أسرلة ” مرفوضة تخدم سياسة إسرائيل وأهداف قادتها؟

وكيف ولماذا يجزم البعض أن من يصرخ، أو يتمتم في سره، ويطالب بضرورة القضاء على إسرائيل يخيف قادتها أكثر ممن يطالبون بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وبتحقيق العدالة والمساواة والأمن للعرب أسوة باليهود؟ لا يوجد منطق في ذلك بل قد تكون الحقيقة معكوسة.

لقد أنهى السناتور ساندرس كلامه قائلًا: “اعلم انه في اليوم الذي نحتفل فيه بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ، سيكون ذلك بفضل أمثالكم ، المستقبل الوحيد هو مستقبل مشترك”.

أنا على يقين بان مثل هذه النشاطات ضرورية وأن الكلام الذي قيل في المظاهرة على العموم هو الكلام الذي يستفز ويخيف حكام إسرائيل لأنهم يرون فيه الخطر الأساسي والحقيقي على أحلامهم وعلى مآربهم؛ والأمل يبقى، طبعًا، بأن تكون هذه بداية لبناء جبهة عمل واسعة تناضل لكنس الاحتلال وضد الفاشية داخل إسرائيل.