بقلم: محمد خروب
وصلت أزمة تشكيل حكومة لبنانية جديدة ذروتها, بعد أن تبيّن انعدام قدرة/رغبة رئيس الحكومة المكلف, التشاور مع رؤساء الكتل البرلمانية (كما تقضي الأعراف) وخضوعه لتعليمات وضغوط آتية من «نادي» رؤساء الوزارات السابقين, وخصوصاً سعد الحريري (إضافة إلى السنيورة وميقاتي)، تجسّد ذلك برفض هؤلاء منح وزارة المالية لِـ«شيعي» وفق ما يُطالِب به وبإصرار الثنائي الشيعي (حركة أمل/حزب الله) تحت طائلة مُقاطعة الحكومة وجلسات منح الثقة, بل قيل أن نبيه بري (رئيس المجلس) هدَّد بعدم ترؤس جلسة الثقة وليتحمَّل كل مسؤولياته.
أزمة متدحرجة قد تفضي إذا ما تواصلَتْ إلى «اعتذار» مصطفى أديب، الرئيس المكلف حامل الجنسية الفرنسية (زوجته فرنسية وتحمل الجنسية الإيطالية, ووالدها مُكلّف الملف الصحي في قصر الإليزيه)، ما يدفع المشهد اللبناني المُعقّد والمتفجِّر إلى مرحلة أكثر تعقيداً, وقد تنتهي إلى حصار وعقوبات تطال شخصيات سياسية وحزبية وأخرى مدنية ما يقضي على محاولات إنعاش البلاد واستنقاذها, وبخاصة بعد كارثة مرفأ بيروت وربط توفير القروض والهِبات والمساعدات بعملية إصلاح عميقة وجذرية, تقضي ضمن سياقات أخرى على الفساد وتُشكِّل خطوة نوعية على طريق إنقاذ لبنان من قبضة طبقة سياسية فاسدة ومفسدة, واصلت إحكام قبضتها على لبنان وشعبه منذ عقود, توارث فيها الأبناء والأحفاد مناصب ونفوذ وسطوة الأجداد, ناهيك عن بروز نخبة أخرى تمثّلتْ في أمراء الحرب الأهلية الذين يقف في مقدمتهم الآن كرأس حربة سمير جعجع, الذي سفك وولغ في دماء اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين.
وهو ينادي اليوم (بعد إدعائه الطهارة والعِفّة) بـ«اللامركزية» في لبنان التي تقود حتماً إلى قيام «الفيدرالية اللبنانية», أي تقسيم لبنان طائفيّاً ومذهبيّاً, وبذلك يُحقّق ما عجز عنه سيّده ومُعلمه بشير الجميل (يحتفلون بذكرى اغتياله هذه الأيام) في الحرب الأهلية عام1975. ماذا عن ماكرون؟ غير خافٍ على أحد أن الرئيس الفرنسي حصلَ على «تفويض» أميركي, وهو لا يفعل شيئاً بدون مشاورة واشنطن, ولا يجرؤ أصلاً الخروج على قرارها إلاّ في قضايا ثانوية, ولهذا جاء مشروعه الإملائي والاستعلائي بتشكيل حكومة جديدة خلال أسبوعين, يرأسها شخص غير معروف جيء به بالضد من كل الأعراف والتقاليد, ناهيك عن فرض أسماء مجهولة لإشغال حقائب وزارية يكون عددها «14» فقط, وعلى الجميع القبول بذلك تحت طائلة النبذ والعقوبات. اللافت في ما حدث وفشل حتى الآن, أن سعد الحريري هو الذي يُشكّل حكومة مصطفى أديب, قاصِداً الانتقام من الجميع حتى اقرب رعاته وهو نبيه بري, الذي وظب القول: أن مُرشَّحه الوحيد هو «سعد», فإذا بالأخير ينقلب عليه ويتآمر لعدم منح حقيبة المالية لوزير «شيعي», وهذه «النقطة» التي أفاضت الكأس.
مُهلة ماكرون التي «وافق» على تمديدها ليوم غدٍ, ستنتهي بلا نتيجة. وسيدخلنان لب مرحلة أكثر خطورة, نحسب التكهّن بها سيكون صعباً, كون «الفيتو» الشيعي حازم نهائيّ ما يُبقي الكرة في ملعب ماكرون, الذي ظن أن وقت عودة الاستعمار الفرنسي قد حان, فإذا يكشِف عن جهلٍ عميقٍ بالتاريخ, وعدم اتّعاظه من عِبرِه ودروسِه..والأيام سَتروي.
عن “الرأي” الأردنية