هي مباراة كرة قدم فقط بالنسبة للبعض، لكنها ليست كذلك لكوسوفو الساعية إلى بلوغ كأس أوروبا لتحقيق إنجاز في الرياضة، والبروز كدولة مستقلة على الساحة الدولية.
لن تجعل مباراة الخميس في سكوبيي ضد مقدونيا الشمالية من كوسوفو أقرب بخطوة إلى كأس أوروبا التي كان يفترض أن تقام في 2020 وتم تأجيلها بسبب فيروس كورونا المستجد عاماً فحسب، بل سينظر إليها أيضاً كفرصة للكوسوفيين للبروز والظهور كدولة مستقلة.
ويلتقي منتخب كوسوفو، الدولة التي أعلنت استقلالها عن صربيا في العام 2008، مع الجارة مقدونيا الشمالية في نصف نهائي ملحق تصفيات كأس أوروبا، وهو يعلم أن فوزه سيحجز له مكاناً في البطولة القارية للمرة الأولى في تاريخه.
يقول طالب علم النفس بيسارت مورينا البالغ من العمر 23 عاماً “أعيش من أجل رفع علمنا بين 24 علماً لأفضل الدول في أوروبا”.
ووصفت وسائل الإعلام المباراة بأنها “أهم مباراة في تاريخ كوسوفو”، وحتى أن المدرب برنار شالاند (69 عاماً) يرى أن مواجهة سكوبيي “ليست مجرد لعبة كرة قدم”.
ويضيف هذا المدرب السويسري المولد في مؤتمر صحافي “نحن في دولة كوسوفو الجديدة، ومنتخب كرة القدم مهم للغاية بالنسبة إلى الشعب”.
وتُعدّ الرياضة ساحة توتر متكرر بين كوسوفو وصربيا، خصوصاً وأن الندوب لا تزال عميقة بفعل الحرب المريرة بين البلدين، التي استمرت من شباط 1998 حتى حزيران 1999.
حاول الصرب منع كوسوفو من الانضمام إلى الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم في العام 2016، لكن فشلهم في تحقيق ذلك جعل من منتخب كوسوفو الفريق الحديث في التصفيات.
وتعود مسألة أن أياً من اللاعبين الـ24 المشاركين في مباراة سكوبيي لا يلعبون في الدوري المحلي، إلى آثار الماضي العنيف لكوسوفو، إذ أن غالبية الفريق هو من أبناء لاجئين من أصل ألباني فرّوا من بطش نظام سلوبودان ميلوشيفيتش في التسعينيات.
وبدأ الكثير من اللاعبين الذين ولدوا بعد النزاع الدامي، مسيرتهم الاحترافية في بلاد الانتشار من السويد وصولاً إلى سويسرا، لكنهم اختاروا في النهاية ارتداء ألوان بلدهم الأم.
ويحترف كثيرون في دوريات الدرجة الأولى في فرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا.
أبرزهم قائد المنتخب أمير رحماني الذي يلعب في نابولي، سمير أويكاني وميرغيم فويفودا في تورينو.
وتتضمن التشكيلة لاعب لاتسيو الإيطالي فيدات موريكي، برغم تشخيص إصابته بفيروس كوفيد-19 ما يجعل مشاركته غير مؤكدة.
يقول شالاند “حصل الكثير من اللاعبين على عقود جيدة، لكن يجب ألا ينسوا جذورهم وما يعنيه اللعب بقميص كوسوفو”.
عانى المنتخب الكوسوفي كثيراً خلال التصفيات المؤهلة إلى كأس العام 2018، حيث سجل ثلاثة أهداف فقط وحصد نقطة يتيمة بتعادل مع فنلندا (1-1)، من أصل عشر مباريات.
وعلى الرغم من وصف كوسوفو بأنها دول غير مرشحة للمنافسة في تصفيات كأس أوروبا، كانت بمثابة اكتشاف مفاجىء.
خاض المنتخب سلسلة من 15 مباراة دون هزيمة، بما في ذلك المباريات الودية، قبل أن يخسر أمام إنكلترا 3-5 في أيلول 2019.
أتاح للفريق الأصفر والأزرق أن يحتل المركز الثالث في مجموعته وراء إنكلترا وتشيكيا ومتقدماً على بلغاريا والجبل الأسود، ليحجز بذلك مكاناً له في الملحق.
يقول الأمين العام لاتحاد الكرة إيرول صاليحو إن “شالاند حقق الاستدامة. وحّدهم بالانضباط والثقة بالنفس”.
رغم ذلك، فإن السفر إلى سكوبيي مثقل بمشاكل في اللياقة البدنية، إذ يتوقع أن يغيب أربعة لاعبين من الفريق عن المباراة بسبب الإصابة.
وأثر فيروس كوفيد-19 أيضاً على مستويات لياقة بعض اللاعبين الذين لم يلعبوا منذ ما قبل الإغلاق.
يقول شالاند “لقد انتظرنا أكثر من عامين لهذه المباراة، والآن نحن في هذا الوضع، لكن ليس لدينا الكثير من الخيارات البديلة”.
وستقام المباراة التاريخية على بعد مئة كيلومتر فقط من بريشتينا عاصمة كوسوفو، لكن فيروس كورونا المستجد سيكون عائقاً أمام حضور الجماهير في الملعب.
تواجه كوسوفو خصماً ليس بالسهل، إذ أن مقدونيا الشمالية انتظرت 30 عاماً لبلوغ هذه المرحلة.
ويقول مهاجم مقدونيا الشمالية فلاتكو ستويانوفسكي “سنبذل قصارى جهدنا لإظهار مكامن ضعفهم كي نتمكن من الفوز”.
لكن سكان كوسوفو فخورون بمنتخبهم الوطني بغض النظر عما يحدث. وتنتشر صور اللاعبين في الشوارع والحانات، والمحلات التجارية ممتلئة بزي المنتخب.
ويؤكد سائق الأجرة أرسيم مهنا (41 عاماً) لوكالة فرانس برس، إن الفريق يبذل مجهوداً أكبر من أجل الحفاظ على المكانة الدولية للبلاد أكثر من جميع السياسيين.
ويضيف “إنهم شباب، لكنهم أفضل ويساهمون أكثر من دبلوماسيينا في الاعتراف بنا على المسرح الدولي”.
وفي حال فوز كوسوفو الخميس، تبقى أمامها عقبة أخيرة قبل بلوغ بطولة الـ”يورو”، وهي المباراة النهائية للمستوى الرابع ضد الفائز من مباراة جورجيا وبيلاروس.