بقلم: بهاء رحال
في ظل الواقع السياسي المعقد، ووسط استمرار الغطرسة الإسرائيلية والسياسة الرامية إلى ضرب البنيان الفلسطيني، وهدم البناء الذي تأسس ليكون نواة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحالة الاستهداف المباشر للجغرافيا الفلسطينية، واستمرار سياسة مصادرة الأرض وهدم المنازل، لتفريغ الأرض من سكانها، وفي ظل حالة الصمت الدولي المطبق، وأمام هذه التعديات والتنكر لكل القرارات الدولية والأممية وكل الاتفاقيات المبرمة، وفي ظل ما نشهده من تطبيع عربي خليجي دون مقابل، يبقى الرهان الوحيد الأقوى، هو الصمود الشعبي الفلسطيني.
لكن هذا الصمود يحتاج إلى مقومات تجعله قادراً على المواجهة وسط الظروف القاهرة التي تعصف به. وحتى نكون منصفين وواقعيين، فإن مقومات الصمود لا ترتكز فقط على الحالة الاقتصادية الصعبة، التي سببها الحصار والقرصنة الإسرائيلية لأموال عائدات الضرائب التي هي حق، رغم أهميتها وضرورتها، بل إن هناك عوامل كثيرة أخرى، في مقدمتها تعزيز الروابط الاجتماعية، والدفع بتجسيد روح التآخي والمحبة لتكون القانون الذي يدرأ كل شر، وكل فتنة، وكل محاولة من شأنها كسر النسيج الاجتماعي، الذي هو قارب النجاة الحامي لشعبنا وقضيتنا، في مواجهة الأخطار التي تحيق بها.
هذا يقع على عاتق الكل الفلسطيني، بمختلف الأطر والأحزاب والتنظيمات والمؤسسات الخاصة والعامة، كما يقع على عاتق الحكومة والهيئات والمجالس المحلية والبلدية، وهذا يلزمه استراتيجية اجتماعية وطنية، تضمن عدم المساس بهذا المقوم الأساس، وهذا الركن الذي برأيي هو ركيزة أساسية لا يمكن تجاهلها.
الظرف السياسي الصعب والمعقد، والمحطة الخطيرة التي تعصف بالقضية الفلسطينية، تتطلب مزيداً من التكاتف والترابط والوحدة الحقيقية، وأن يكون الفعل الفلسطيني موحدا، وأن نعيد إلى المشهد الكثير من المشاهد الوطنية السياسية والوطنية والاقتصادية والتي كانت سائدة أبان الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة التي تميزت بقوتها وقدرتها على إحداث التغيير، وهذا مرده أنها كانت انتفاضة شعبية استطاعت أن تحقق التكافل والترابط الاجتماعي وتجلت صورها الإنسانية المشرقة، وهذا ممكن لأن شعبنا قادر دائماً على خلق حالات الإبداع الوطني وفي شتى المجالات، ويتجدد هذا الإبداع بالتضحية مع كل استهداف إسرائيلي لفلسطين الأرض والإنسان.
وإذا دققنا في الصورة، فسوف نرى ما حدث خلال السنوات الأخيرة وما أصاب النسيج الاجتماعي من تهتك واضح، وكيف انعكست آثار التفكك الحاصل على التكاتف والتعاضد والتماسك الذي ساد لعقود طويلة، وكان الضامن الأول للصمود والبقاء في وجه الاستعمار البريطاني والاحتلال الإسرائيلي. والكل يرى كيف ارتفعت مستويات الجريمة آخذة أشكالاً متعددة ومختلفة، حتى باتت الظواهر الجرمية مصدر قلق دائم، للكل الفلسطيني الذي بدأ يرى ويتلمس العديد من المظاهر الغريبة عليه وعلى عاداته وقيمه، وأصبح يشاهد ويتابع بقلق كل هذه الظواهر الغريبة الخارجة عن عادات وتقاليد وقيم شعبنا.
ولهذا فإن المطلوب هو تكثيف الجهود في إطار تمتين وتحصين النسيج الاجتماعي، للنجاة من كل الأخطار التي تستهدف القضية الفلسطينية، والإنسان الفلسطيني في حقه بالوجود فوق أرضه ووطنه.