بقلم: حجاي إلعاد*
استغلت إسرائيل جيداً الـ 4 سنوات من حكم إدارة ترامب من أجل أن تدفع قدماً بمشروع نهب الفلسطينيين واستيطان اليهود. كان في هذه السنوات القليل من اللحظات التي حظيت باهتمام عام، والكثير من لحظات الروتين العنيف، والتي لا تعتبر “أخباراً”. وتعتبرت غبارا في مهب الريح.
أمس، يوم الانتخابات في الولايات المتحدة، استغلت إسرائيل يوما آخر من أيام ولاية ترامب، وأرسلت جرافاتها لهدم تجمع فلسطيني كامل شمال غور الأردن، وهو “حمصة الفوقا”.
11 عائلة، 74 شخصا فقدوا بيوتهم، 41 من بينهم قاصرين. حمصة مستهدفة من قبل إسرائيل منذ سنوات، سوية مع عشرات أخرى من التجمعات الفلسطينية.
التقنية التي تستخدمها إسرائيل بشكل عام تقتضي صبراً: يحولون حياة السكان في المكان إلى كابوس متواصل على أمل أن تُفهم الرسالة والغبار تحمله الرياح – وكأن ذلك تم بإرادته – إلى مكان آخر.
المغزى العملي لهذه التقنية هي تنكيل لا نهاية له بالسكان: أحياناً أمر بمغادرة مؤقتة للمكان (بذريعة تدريبات للجيش)، وأحياناً هدم (بذريعة البناء “غير القانوني”)، وطوال الوقت بدون ربط بالمياه الجارية أو بشبكة الكهرباء. كم من الوقت كنتم ستصمدون تحت ظروف كهذه؟
ولكن عندما يكون هنالك فرصة، يمكن فعل كل شيء في يوم واحد. الفرصة التي شخّصتها إسرائيل هي يوم الانتخابات في الولايات المتحدة، والعملية – هدم تجمع فلسطيني كامل- اختصرت لساعات معدودة عنف الدولة، والتي في ظروف عادية امتدت على مدار سنين.
فعليا، الخلاف ما بين هذه الأساليب -الجدل حول الوتيرة الصحيحة التي يتم بها طرد الفلسطينيين- تجسد نطاق المواقف عبر جميع السياسات اليهودية في إسرائيل تقريبا: تقريباً الجميع يوافقون على الهدف، وإذا كان هنالك جدال- فهو على ما يسمى “تفاصيل” متى، كيف، بأي تبرير، بأي نطاق-بالنسبة لمهندسي الطرد هذه تفاصيل. اما لمن هو موجود في الجانب الثاني من كف الجرافة أو من الأمر العسكري أو من ضربة القبضة، هذه تشكل حياة تم سحقها. غبار في مهب الريح.
تشكيل الحكومة الحالية يعكس جيداً هذا الواقع. نعم ضم رسمي، وعدم ضم رسمي- الأساس أننا نواصل تثبيت المزيد والمزيد من الحقائق على الأرض. ما نُشر مؤخراً حول نقاشات داخلية بين مكتب رئيس الحكومة وبين مكتب رئيس الحكومة البديل، بشأن مخططات هدم الخان الأحمر تعكس الاتفاق الجوهري: إن مصير هذا التجمع هو الهدم وسكانه سيطردون، على هذا هناك اتفاق. بقي فقط مناقشة التفاصيل. حسب ما نُشر، فإن بيني جانتس أراد السير مع الهدم، بنيامين نتنياهو اراد الإبطاء، في هذه الأثناء قرروا انتظار 4 شهور.
من المفهوم أن كل هذا لم يكن بالإمكان تنفيذه بدون تعاون من قبل جهات أخرى وعلى رأسها المحكمة العليا. القضاة صادقوا مرة تلو الأخرى على أوامر الهدم التي تمكّن من طرد سكان الخان الأحمر. حتى تدريبات عسكرية في أراضي فلسطينية هي أمر قانوني من وجهة نظرهم، حتى وإن كان هذا يرتبط بإخلاءات متكررة -مثلما سبق وتم في غور الأردن، بما في ذلك في حمصة الفوقا، وكما تريد الدولة تنفيذه في جنوب جبل الخليل كذريعة لطرد تجمعات مسافر يطا في منطقة أعلنت إسرائيل عنها كمنطقة نيران 918.
في حمصة الفوقا الأنقاض مبعثرة على الأرض، إسرائيل استغلت فرصة، وهي تنتظر فرصا أخرى. في تجمعات فلسطينية أخرى في أرجاء الضفة يعرفون أن هذا فقط مسألة وقت، ونطاق وذريعة، وغبار في مهب الريح.
* المدير العام للمركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة – “بتسيلم”