بقلم: سهيل كيوان
دوافع الإرهاب متعدّدة، بعضها سياسي ويهدف إلى تغيير السلطة بالقوة من خلال اغتيال قائد مثل ملك أو أمير أو رئيس، أو إثارة البلبلة والفوضى لصالح جهة معادية، أو بهدف انتقام شخصيّ أو على خلفية قومية أو طائفية وذلك لعدم القدرة على مواجهة دولة منظمة وقوية، فيلجأ الضعفاء إلى الإرهاب، وهو في جوهره تعبير عن يأس.
كذلك توجد أعمال إرهابية نابعة من منطلقات غيبية مثل تعجيل القيامة، وتسريع ظهور المسيح المنتظر، وهناك إرهاب عبثي لا هدف له سوى الإمعان في العبثية، بسبب الفراغ الروحي والنظرة الخاوية إلى الحياة وجدواها واحتقار الأنفس والذات.
التعبير “إرهاب” قديم وليس جديدًا، وقد أُطلق على معارضي السلطة، في كل مكان من مختلف مراحل التاريخ، فقد اتُّهم المعارضون الفعّالون بالإرهاب، أو بكلمة رديفة لهذا المعنى، مثل التخريب والمخرّبين، أو الفساد في الأرض، والخروج على أولي الأمر، أو الخيانة، أو إضعاف روح الأمة.
قد يكون أول من استخدم كلمة “إرهاب” هم الفرنسيون، في وصف لمحاولة اغتيال الجنرال نابليون بونابرت في كانون الأول، الذي تسلم قيادة فرنسا إبان الثورة الفرنسية عام 1800.
كذلك، إن كل مقاوم للاحتلال الأجنبي في دول المستعمرات اعتبر مخرّبًا فأعدم، وقد يقتل معه بعض أفراد أسرته ويهدم بيته، أو يسجن لفترة طويلة.
هذا أيضا ما كان في المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي والصين وكوريا الشمالية، فالمعارضة عوملت بالقمع، وبأحكام ثقيلة تصل إلى الإعدام، بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم خدمةً لدولة معادية.
في أنظمة مثل البعث في سورية والعراق لم يختلف الأمر كثيرًا، إذ أن المعارض للنظام حُرم من العمل في المؤسسات الرسمية، وتعرّض للسجن بتهم مختلفة، وفي كثير من الأحيان يسجن دون محاكمة ولفترة طويلة، ويُمنع السؤال عنه، وهذا ما يزال سائدًا في غالبية الدول العربية، فالمعارضة إما أن تكون شكلية، أو تتعرض للقمع بلا رحمة، أقلها توجيه تهمة الإعداد لانقلاب عسكري، وقد تقوم السلطات نفسها بافتعال أعمال تخريب تتهم المعارضين بتنفيذها.
كل مقاوم للاحتلال الإسرائيلي أُطلِق عليه “مخرب” و”إرهابي” وقُتل أو سجن، حتى ولو كان يحمل مسطرة من خشب أو رمى حجرًا على دبابّة، وهذا كان نصيب ثوار المغرب العربي وإفريقيا والشرق الذين قاوموا الاحتلال الأوروبي.
لقد أسهمت الأنظمة المختلفة من خلال قمعها الوحشي لشعوبها أو للشعوب الواقعة تحت احتلالها، إلى نشوء تنظيمات إرهابية تحت أسماء مختلفة.
أما ما يسميه البعض بـ”الإرهاب الإسلامي” الذي برز بوضوح في العقود الأخيرة، فهو في جذروه الحديثة؛ صناعة في دولة خليجية تزعمت القوى الأكثر رجعية في المنطقة، وسعت إلى تقوية الاتجاه المتطرّف، المعادي للآخر والمختلف، لاستبعاد العداء لها وتصديره، وقد جرى توجيه هذه الجماعات بخيوط خفية، فهي من جهة تدعو إلى الدين والتمسّك به و”نصرة الحق”، كما تراه هي، ومن جهة أخرى تروّج لطاعة النظام الذي يقوده أولو الأمر، الذين لا بد من احترامهم وإجلالهم، وأي تعرّض للنظام ومن يمثّله ولو بكلمة، يُعتبر خروجًا عن الثوابت، وهذا ما عمل رجال الدين الذين حظيوا بالتبجيل العظيم من قِبل الناس العاديين، ولهذا كانت المفاجأة كبيرة وصادمة للبعض من انقلاب رجال دين كبار على أنفسهم وقيمهم التي روّجوا لها، ليفعلوا ما يؤمرون به.
الاتجاه المتشدّد، اتخذ من الديمقراطية وأنظمتها مادة للهجوم والسخرية، متسلّحا بحقيقة أن معظم الديمقراطيات الأوروبية مؤيدة للاحتلال في فلسطين وصامتة إزاء ما يجري للمسلمين في بعض دول العالم مثل مينامار والصين، ومتواطئة مع الدكتاتوريات القامعة، ولها ممارسات هي نفسها تاريخ من الوحشية بحق الشعوب وثرواتها في مختلف جهات الأرض.
يوازي هذا انقطاع شبه كامل عن الواقع، بل والنظر بعدائية عنيفة لكل ما لا يتفق مع الرؤية الدينية المتشددة التي تزداد تشدّدًا عامًا بعد عام.
هكذا يصبح كل ما يحيط بهذه الجماعات مستفزّا لمشاعرها، مع التركيز على الحلقة الأضعف، وهي المرأة، حيث التشدّد تجاه لباسها ومظهرها وتصرّفها وخروجها إلى العمل والموقف منها مقياس لصدق الانتماء للجماعة.
لا يتوقف الهجوم والتحريض عند المختلف في العقيدة، بل إنه يحمل عداءً أشد للعرب والمسلمين الذين لا يخضعون ولا يقرّون لهم بالقيادة والإمارة أو الإمامة، والنتيجة هي عداء للجميع، وكثيرًا ما يهاجم هؤلاء أقرب الناس إليهم مثل أخوتهم وأخواتهم، وهم يظنون بأنهم يحسنون صنعًا.
من السهل اختراق حلقات هذه المجموعات، فهي مفتوحة لمن يريد الدخول فيها، ورويدًا رويدًا يصبح جزءًا منها، ومع قليل من الذكاء يصبح قائدًا لفرع منها أو لمنطقة أو لفصيل أوخطيبًا في مسجد.
الدخول إلى هذه الجماعات في أوروبا أسهل، ويمكن لأي جهاز مخابرات أن يدخل بين المهاجرين واللاجئين وذوي الأصول الإسلامية، ويجري توجيه عمل هذه المجموعات من داخلها، حيث مصالح تلك الدول وأجهزة الظلام التي تنتظر لحظة الصّفر الملائمة لدفعهم إلى عمل تخريبي أو إرهابي يخدم هدفا معيّنا لهذه الجهة أو تلك، والنتيجة هي المزيد من العداء للإسلام والمسلمين.
اليمين الأوربي المتطرف بدوره في عدائه للأجانب والمسلمين بشكل خاص يغذي تنامي العداء والكراهية.
هذه الجماعات لعبت دورًا كبيرًا في إجهاض الثورات العربية، حيث التقت مصالح الأنظمة بوجود هذه التنظيمات كدليل على عدم وجود ثورات شعبية بل هي حركات إرهابية.
قد يأتي يوم يُكشف فيه دور بعض الأنظمة العربية والمخابرات الأجنبية في بناء وتسليح تنظيم “داعش” والتنظيمات المماثلة له أو التي تشبهه، وكيف جرى إنشاؤها، ومن الذي يشد بالخيوط، ولمصلحة من عمل وما يزال يعمل، وما الهدف الكامن وراء كل عمل إرهابي قامت وتقوم به ولماذا وكيف جرى اختيار المكان والزمان لتنفيذه، وكيف ومن الذي زودهم بالأسلحة.
عن “عرب ٤٨”