بقلم: نبيل عمرو
لن يكون التطبيع حاسما بالنسبة لإسرائيل وامريكا، الا اذا اكمل القطار رحلته الى الرياض ثم رام الله، ولكل واحدة من المحطتين المفصليتين اعتبارات وحسابات مختلفة تحددها الفرص والتوقيت والاثمان.
الرياض تعمل كل ما في وسعها للافلات من قبضة الضغوط الأمريكية المتعجلة التي تتخذ اشكالا عدة، وما التأكيد الضمني او المباشر لخطوات الامارات والبحرين وكذلك قرار فتح الأجواء الا مجرد محاولات سعودية للتخفيف من الالحاح الأمريكي الهادف الى جعل الرياض واحدة من عواصم التطبيع، ان لم تكن بمستوى الامارات والبحرين فبمستوى القاهرة وعمان.
نوايا المملكة وقراراتها ليست سهلة الاستنتاج على نحو يقيني، ذلك ان اعتبارات الدولة السعودية ليست هي ذات اعتبارات شقيقتيها الخليجيتين، والمقصود هنا حسابات المكانة في العالم العربي والإسلامي وكذلك ردود الفعل والجدوى مع أهمية استثنائية في امر الثمن الذي يتعين على إسرائيل تقديمه لقاء خطوة بهذا الحجم وعلى هذا المستوى، وهو ثمن لا يتصل فقط بالسعودية وانما بالفلسطينيين، وحتى الان والى اجل غير مسمى ليس بمقدور غير السعوديين وعلى اضيق واعلى المستويات معرفة ما سيتم على صعيد إقامة علاقات رسمية بين السعودية والدولة العبرية.
المحطة الأخيرة والتي هي مستحيلة اذا ظلت الشروط الامريكية والإسرائيلية هي ذات الشروط، هي المحطة الفلسطينية التي مهما حاولت إسرائيل اهمالها او تقديمها في ادبياتها السياسية والدعائية على انها قليلة الأهمية الان، الا انها اكثر المحطات ضرورة ومفصلية، ولقد صار واضحا تماما ان المحطة الفلسطينية ابتعدت كثيرا عن مسار القطار التطبيعي الذي سيتوقف قليلا او كثيرا في المنامة، لم يكن الامر كذلك اثناء شهر عسل اوسلو، ولا حتى قبل الانهيار الدراماتيكي الأخير الذي حدث بفعل قنبلة ترمب شديدة الانفجار، والتي أطاحت بكل الفرص المحتملة لاستئناف المفاوضات او حتى للتفكير في هذا الامر.
ان المحطة الفلسطينية التي تبتعد كل يوم تثير جدلا واسعا في العالم وفي إسرائيل بالذات جدل سؤاله الأساسي وربما الوحيد، هل ستنجح حكاية سلام مقابل سلام في انهاء القضية الأساس التي هي القضية الفلسطينية؟ ام ان التطبيع مع كل العالم باستثناء الفلسطينيين سيظل محصورا في اطار المطبعين فقط دون ان يريح إسرائيل من العبء الذي يزداد ثقلا يوما بعد يوم وهو وجود اكثر من اثني عشر مليون فلسطيني بلا حل خصوصا وان الوعاء الذي صممه ترمب لحشرهم فيه لا يتسع لهم بل سيحشرهم فيما يشبه وعاء الضغط القابل للانفجار ان لم يكن اليوم فغدا او بعد غد.
في إسرائيل قوى جدية وفعالة تسخر من نهج نتنياهو الذي يعتبر كوسوفو في امر السلام اكثر أهمية من الفلسطينيين ويعتبر حركة الطيران بين أبو ظبي والمنامة وتل ابيب سوف تريحه من التعب اليومي الذي يعيشه ودولته جراء حراسة الطرق وتبديل الحواجز العسكرية وغارات الاعتقال الليلي والبحث عن مقصات الخياطة في حقائب النساء الفلسطينيات، وتصدير إنجازاته على هذا الصعيد للرأي العام الإسرائيلي كمن احبط تهديدا وجوديا لدولة الـ F35 والمفاعل النووي والاقتصاد العملاق
ما أقوله ليس تحليلا من جانبي مع انني أوافق عليه فهذا ما يقوله اهم الكتاب والباحثين الاسرائيلين وحتى السياسيين الذين وهم يجاملون قطار التطبيع المتنقل من محطة الى أخرى باعتباره واحة إيجابية في صحراء الصراع العربي الإسرائيلي العاري تماما عن التطبيع الشعبي، هؤلاء يذكرون انفسهم ويذكرون صناع القرار في إسرائيل بحقيقة جوهرية بسيطة الا انها حاسمة ” ان لم تصنعو السلام مع الفلسطينيين فلا جدوى من أي سلام تصطنعونه مع غيرهم”
وفي هذا الحالة فان المحطة الأخيرة التي يستهدفها القطار وهي المحطة الفلسطينية هي في واقع الامر الأخيرة والمستحيلة.