كتبت الطالبة زينة ابو سعدى من جامعة بيت لحم قسم اللغة العربية – صحافة واعلام
قصة خيالية من الواقع
لم أتخيل يوماً أنَّ حياتي الهادئة المليئة بالروتين اليومي ستصبح هكذا، لقد عشتُ في بيْت متواضع يملؤه الحبُ، أًمي امرأةٌ صبورة مؤمنة راضية بعيشتها ونصيبها، أمّا أبي فهو رجلٌ مكافح يعمل ليل نهار كي يؤمن لنا لقمة العيش أنا وأخوتي الصغّار. فأنا الأبنة الكبرى واسمي ليلى وعندي أخوان أصغر مني عُمر وخالد، لطالما ساعدتُ أُمي في العناية بهما فعمر يصغرني بخمس سنوات وخالد يصغرني بسبع سنوات.
لا أنسى موسم قطف الزيتون عندما كان يصحبنا والدي إلى الحقل لقطف الزيتون وكانت أُمي تعدُّ طعاماً طيباً خبز الطابون اللذيذ مع الزيْت والزعتر والشّاي المغليّ على الحطب في الحقل، لم أذقْ طعماً اطيب من هذا رغم أنّه كما يّدعي البعض اكلَ الفقراء.
أبي رجلٌ حنون لكنّه متعبٌ من هذه الحياة فهو يعملُ في الفعالة يخرج من باكورة الصباح ليعودَ في المساء كالقتيل الذي لا يقوى على فعل شيء سوى الاستلقاء على الاريكة ليعلن هدنةَ مع هذا الجسد كي يكفَّ عن افتعال الألم.
لقد انهيتُ الدراسة الثانوية وحصلتُ على معدلٍ جيد يسمحُ لي دخول الجامعة ولكنّي أعرف وضع أبي المادي وأنه لا يستطيع تعليمي فاقترحتُ عليه ان أعمل عوضاً عن الالتحاق بالجامعة كي اساعده في مصروف البيت، ولكنّه رفض بإصرار واصرَّ على تعليمي وانا فرحتُ بذلك ووعدته أن اتفوق كي احصلُ على منحة دراسية تعفيه من مكابد المصروف والقسط الجامعي. وفعلاً دخلْتُ الجامعة في كلية الآدب قسم اللغة الانجليزية. ومن هنا تغيرت حياتي خرجتُ من دائرة منزلي الصّغيرة، إلى دائرةِ اكبر واخطر مجتمع لم اكنْ أعرفه جيداً.
تعرفتُ في الجامعة على فتاة تدرسُ معي نفس التخصص واصبحنا صديقتين إلى حدّ كبير كان اسمها دلال، وفي ذاتِ يوم كنا جالستيْن في حديقة الجامعة واذا شابٍ طويل القامة ، وسيم المنظر، يتقدم نحونا وينادي دلال باسمها، انتصبت دلال بقامتها وقالت إنه أخي فريد فمدَّ يده ليصافحني، وارتبكت ولا ادري لماذا حمرّت وجنتاي سلمتُ عليه وتلعثمتُ في الكلام قائلةً أنا ليلي صديقةُ دلال، كان جريئاً للغاية واثقاً من نفسه عندما قال: “هكذا يا دلال ألا تخبريني أن لديك صديقة بهذا الجمال”، مما زادني خجلاً وتمنيت لو تنشقُ الأرض لتبتلعني، لم اعتدْ على مثلِ هذا الكلام. ثمَّ أخذ اخته ومضيا وبقيت مستمرة في مكاني وكأني لوحة جدارية مضى عليها زمن.
في تلك الليلة لا أدري ماذا هداني كنتُ شاردةَ الذهن على غير طبيعتي لم اجلسْ مع والديَّ واخواني بقيت في غرفتي سارحةً في ذاك الشاب الوسيم وكانّ أنتزع قلبي من مكانه. حاولت التغلبَ على هذه المشاعر ولم استطعْ . مَرًّ على تعارفنا اسبوع ولم ارهُ مرة أُخرى ولكنني لم انفكَ عن التفكير به. مّرةً كنت جالسةً مع دلال و استدرجتها بالحديث عن أخيها فقالت فريد شابٌ وسيمٌ وطموح ولكنّه طائش قليلاَ يفعل ما يهوى ولا يحسب حساب شيء. لم أفهم قصدها تماماً.
مساء ليلة السبت كنتُ في غرفتي اسمع الموسيقا وإذا بهاتفي الجّوال يرن، كان رقماً غريباً فقمت السماعة وقلتُ ألو منْ معي؟ وإذا بالشخص يبتسم ابتسامة استطعت تخيلها عبرَ الهاتف ويقول مابك يا ليلى انا فريد. هنا بدا الاندهاش عليّ وشهقتُ لا مستحيل كيف حصلت على رقم هاتفي؟ فقال من يريدُ شيئاً يحصل عليه. وبدأنا بالحديث، يالجمال صوته فيه بحةٌ ساحرة كان يتحدث وآنا اقولُ هذا في نفسي، من أين أتى هذا إلى حياتي توطدت علاقتنا واصحبنا حبيبين تعلقتُ به وبسحر كلماته. ولم اقلْ شيئاً لصديقتي دلال كان الموقفُ محرجاً ففضلتُ أن اخبىُ الأمر عنها.
وبعد شهرين من الحديث المتواصل والمشاعر الجياشة والانسجام الكبير بيننا، وكنا أثناء هذه الفترة نتقابل أحياناً في حديقة الجامعة أو في الشارع المؤدي إلى بيتنا. كنتُ معه كطائرٍ حُر يغرّد في وسع الفضاء. إلى أن جاء اليوم الذي لم اتمنى مجيئه وحصل الشيء الذي لم احسب ان يحصل.
في صبيحة يوم جمعة رنَّ هاتفي وإذا به فريد يقولُ بصوت خافتٍ ضعيف، حبيبتي ليلى أنا مريضٌ جداً ولا يوجد عندي أحدٌ في البيت اشعرُ بجسمي يشتعل من ارتفاع الحرارة وحلقي جافٌ اودُّ الشرب ولا يوجد مَنْ يعطيني كأس ماء، أهلي واخوتي ذهبوا لزيارة عمّي في محافظة أُخرى، عندما سمعتُ هذا الكلام قفز قلبي من مكانه وشعرت بالخوف الشديد عليه وقلت سأردتي ثيابي وآتي عندك، واغلقت السماعة، وفعلاُ لبست على عجل وركبتُ سيارة أجره وذهبتُ مسرعةً لديه.
قرعتُ جرس الباب لم يفتح لي احد، حاولت فتحه بنفسي ودخلت، ناديتُ فريد حبيبي أين أنت؟ أجابني بصوته الذي يوحي بالمرض هنا يا حبيبتي تعالي فدلفتُ إلى الداخل، كان نائماً في سريره في غرفة النوم الخاصة به. دخلت الغرفة فقام من السّرير وأغلق الباب بالمفتاح، تعجبتُ هذا التصرف وقلتُ له: لماذا تغلق الباب؟ ألست مريضاً!. ماذا دهاك يا فريد بماذا تفكر. لم يظهرْ عليه أي علامة من علامات المرض بل ظهرت عليه ملامح المكر والافتراس وإذا به ينقضّ عليّ ويقول بصوت لاهث أنا أحبك لا استطيع الاحتمال اكثر من هذا. اشتهيك يا ليلى أراك كلَّ يومٍ في منامي، وسحبني بكلِّ قوّته مقطعّاً ازرارَ قميصي، وأنا أصرخ وانادي ولا جدوى من ذلك. كنت اقاومه وانا أقول لا يمكن ان تكون فريد الذي عرفته واحببته إنك مخادع كيف لك أن تستدرجني لتفعل بي هذا، قاومته ولكني ضعفتُ ولم استطع وحصل ما حصل وسلب فريد عذريتي، وبعد ذلك جلستُ على الأرض واضعةً يديَّ على ركبي المطويّة غير قادرة على التقاط انفاسي، دموعي تملأ وجهي وشعري مبعثرٌ وأحلامي مهدّمة.
أمّا هو فكان كوحشٍ نهشَ لحم فرسيته، امتثلتُ أمامه وبدأت اضربُهُ بكلِّ قوّتي وهو يقهقه قهقهةً مستفزة. لم أجد غير بصقةٍ على وجهه الأسود. ناقمةً على الحب أضعها كافرةً به. أو لعلّني ناقمةٌ على نفسي نادمةً كيف وثقت به؟ كيف صَدّقتُ الحب وتناسيتُ غريزة الحيوان الناطق، خرجت من منزله ولا يوجد في مخيلتي غيرَ وجه أبي المتعب ويديّ أُمي المتعرجتين من الشقاء وعيون أخوتي الصّغار في انتظاري لأحضرَلهم الحلوى. لم أشعر بدفء منزلنا مثل هذه اللحظة تمنيتُ لو لم يحصل هذا كلّه.