كتبت شهد القواسمي طالبة في جامعة بيت لحم قسم اللغة العربية – الصحافة.
وكما جرت العادة، يذهبُ محمد يوميًا لشراءِ الخبز وبعض الحاجيات إلى أسرتهِ، يسرقهُ أحيانًا الوقت بسبب التفاته إلى بعض أصدقائه، هذا مرَّ زمن على رؤيته، وهذا زميلُ الفصل وغير ذلك، فيعود إلى البيتِ متأخرًا. جاءَ اليومُ الذي لم يعد فيه محمد، وإذ به من مشهدِ الشارع وأول خطوةٍ يقصد بها باب المخبز يغلقُ عينه، ليفتحها مجددًا بعد ثلاث أيام، ليشاهد يديه مقيدتين وأمه التي ما انفكت تطلب له الشفاء وطبيبٌ يعبثُ بذاكَ الجهازِ وهذا الزُرار.
24-1-2019 الخميس
محمد القواسمي، فتىً في الخامسة عشر من عمرهِ، تخترق رصاصةَ مستعرب جسده النحيل في مخيم شعفاط- القدس، رصاصةٌ تدخل من جانبهِ الأيمن لتطحن طُحاله، ولتفتعل ثقبين في المعدة، وثقبٌ في عضلةِ الحجابِ الحاجز، ثم تعلنُ خروجها فورًا من جسدهِ، في ظلِّ انهمارِ دمائه وفقدانِه للوعي، تظهر سيطرةُ الاحتلال باحتجاز سيارة الاسعاف وتحاول الاعتداء على والد محمد، حيث تريد احتجاز المصاب، تعالت الأصوات كثيرًا وتجمهرَ العديد من عائلة محمد لتيسير الوضع، مضت سيارة الاسعاف أخيرًا برفقة جيبٍ عسكري في المقدمة وآخر في الخلف، ليصل إلى المستشفى (إلى غرفة الطوارئ تحديدًا) متجهًا بشكل فوري إلى غرفةِ العلميات، بينما كانت قوات الاحتلال تنصبُ حاجزًا على باب المستشفى تمنعُ كلُّ من يحمل اسم عائلة القواسمي بالدخولِ إليه، أخبرتني أختهُ قائلة: “بكوني أختهُ فأنا قريبة بالدرجة الأولى له عند الاحتلال، فظننت أني قد أفلتُ من أيديهم، ولكن ما إن وصلت إلى الطابق الذي تجري فيه عملية أخي إذ بجنود الاحتلال هناك أيضًا، تطلب من والدي إخبار العائلة بأن كل شيءٍ على ما يرام، وأن ذهابهم إلى بيوتهِم أفضل من الانتظار الطائل الذي لا أملَ منه، رفضَ الجميعُ بلا استثناء الاستجابة إلى أوامر الاحتلال اللعينة”.
وبعد مرور ثلاث ساعات أتت قوةٌ جديدةٌ من جنودِ الاحتلال برفقة العديد من حرس المستشفى لتعلن خروج محمد من غرفة العمليات إلى غرفة العناية المكثفة التي لا تبعد عنها سوى القليل من الأمتار.
لم يمضِ اليوم الأول على إصابتهِ حتّى أتى الاحتلال بقائمة تُهم ترصد ستة عشر تهمة لمحمد، لتبرئ فعلتها المشينة ولتحمي المستعرب الذي يفعل ما تأمر، بلطف الله لم تستطع النيابة العامة إثبات أيّ من التُهم، ودفعَ والد محمد كفالةً كي يُفك قيّدهُ، وليُسمح لأهلهِ بزيارتهِ و رؤيتهِ، إلى يومنا هذا يعاني محمد من إصابتهِ التي شكلت لهُ إعاقةً بفقدانه نهائيًا لعضو الحطال الذي يعملُ على تنقيةِ الدم، وفقدانِ جسدهُ للمانعةِ مدى حياتهِ.
هذه القصة وغيرها من التفاصيل التي يُعايشها المقدسيون بشكل خاص والفلسطينيون بشكل عام، وكل بابٍ لم يطرق هو قضيةٌ مجهولة تحمل من ظلم وعنجهية الاحتلال ما لا يقوى على حملهِ أحد، فهنا تكن فلسطين.
*المستعرب: هو رجلٌ فلسطيني يعملُ لصالح الاحتلال، ولا يتميز بزيّ معين بل لباس طبيعي، و في أغلب الأحيان لا يُظهِر وجهه.