بقلم: نبيل عمرو
تابعت تجربتين انتخابيتين جرتا في بلدين تربطنا بهما علاقات مميزة فيها قدر كبير من الإيجابي والحيوي … الأردن الذي انهى على خير انتخاباته البرلمانية قبل أيام قليلة وتونس قبلها التي تميزت انتخاباتها الرئاسية بإنجاز ملفت حققه الرئيس قيس سعيد أُلخصه بعنوان قصير ولكنه بليغ ” اعلى الأصوات باقل النفقات”.
في الارن استفحلت كورونا على نحو مخيف بعد ان استمتع هذا البلد بأيام قليلة بالشفاء التام الا من حالات محدودة تكاد لا تذكر، اذا ما قارنا بسجلات الإصابة والوفيات في بلدان العالم. ولقد سعدنا هنا في فلسطين بنجاح الاشقاء في محاصرة الوباء حتى القضاء على موجته الأولى، الا اننا حزنا وما نزال ونحن نتلقى الانباء المؤلمة عن الإصابات والوفيات ” فأين الأردن وأين نحن” لا مجال للفصل.
الانتخابات في الأردن موسم استثنائي في حياة البلد، فمنذ انطلاقة الحملات والى ان يستقر المنتخبون على مقاعدهم تحت قبة البرلمان فإنك ترى سلسلة لا تنقطع من المهرجانات الصاخبة والمآدب الجماعية المهولة والاعلانات الممولة عالية الكلفة والانفاق المنفلت من كل القيود. اذ يقال هناك اذا لم تنفق المدخرات في أيام كهذه فمتى؟!
انتخابات هذا العام مع تشابهها في الطقوس السائدة منذ اول انتخابات في الدولة، الا انها اختلفت هذه المرة في أمور تستحق التأمل أولها شجاعة اتخاذ قرار اجراءها رغم وجود دافع قوي لتأجيلها. فقد الغيت الفكرة بفعل ترجيح مزايا الانتخابات على مثالب تأجيلها..
والمزايا في هذا الصدد أساسية وجوهرية، تتصل بحتمية الحفاظ على احد اهم اركان الدولة وهو مجلس النواب المنتخب، إضافة الى ميزة تتساوى في الأهمية وهي فتح الأبواب الشرعية لدخول دم جديد الى المؤسسة التشريعية الأولى، وهذا ما تحقق على نحو ملفت وربما يتم لأول مرة بدخول مائة عضو جديد ضمنوا تجديدا نوعيا وكميا للمؤسسة السياسية على نحو يغنيها ويقلص ارتهانها لانماط تقليدية فقدت قدرتها على التجدد والعطاء.
انها تجربة تستحق التأمل دون اغفال رزمة من السلبيات كانخفاض نسبة المشاركين في الاقتراع والانفاق المبالغ فيه، والذي اتهم فيه كثيرون بشراء الذمم والاصوات، ورغم الإقرار بسلبية هذه الظواهر وتشويهها للمشهد الا ان الإصرار على الانتخابات الدورية كأحد اهم مقومات النظام السياسي يحيد الظواهر السلبية، شريطة ان تجد علاجا منهجيا فعالا يؤي الى اختفاءها قدر الإمكان في الانتخابات القادمة.
***
تعرفت على الرئيس قيس سعيد قبل دخوله كمرشح للرئاسة التونسية، لم يكن من الأسماء المتداولة تقليديا في الترشيحات التي يتحدث عنها الاعلام من بين نجوم الطبقة السياسية. كان اكاديميا يمتلك سلاحا فعالا هو السمعة التي لا تشوبها شائبة.
صديقنا المشترك الذي رتب لقائي معه – وبالمناسبة كنت التقيت قبله بنجم النجوم في ذلك الوقت السيد راشد الغنوشي – صديقنا المشترك قال لي ان الدكتور قيس سيكون له شأن في قادم الأيام ولم يستبعد ان يصبح رئيسا.
ما يعنيني في حالة الرئيس قيس انه دخل السباق الرئاسي في زحمة تراث المرشحين التقليديين، ممن وقف بعضهم على رؤوس أصابعه معتمدا على الانفاق والتراث السياسي والعقائدي، فإذا بالقادم من بحر الناس العاديين يتقدمهم جميعا، لقد كسر رقما قياسيا في عدد الأصوات ورقما أكثر دلالة في قلة النفقات، وها هو ما يزال نزيل شقته في احد احياء العاصمة التونسية ، اما قصر قرطاج الذي تناوبت عليه أسماء تاريخية أولها الزعيم الظاهرة الحبيب بورقيبة ثم رفيقه وامتداده الباجي قايد السبسي، فهو في زمن قيس سعيد رمز للدولة والبلد ومكان للعمل ليس الا.
عندنا في فلسطين والأردن نتشابه حد التماثل في أمور كثيرة ، استقبلنا رسالة من انتخابات البلد التوأم تقول ان دخول مائة عضو جديد الى المجلس النيابي لأول مرة أخاف سدنة الجمود عندنا الا انه اثلج صدور دعاة التجدد.