حديث القدس
مع حلول أعياد الميلاد المجيد، وقرب انتهاء العام 2020 وبزوغ فجر عام جديد، يكون شعبنا قد قضى عاما آخر، من عمر قضيته الوطنية التي لم تجد لها حتى اليوم حلا عادلا يعيد لشعبنا حقوقه المشروعة، بل ان هذا العام الذي مضى ربما يكون الأسوأ في تاريخ شعبنا وقضيتنا، حيث لم يقتصر الأمر على أزمة وباء الكورونا التي تعاني منها كافة شعوب الارض، بل ان هذا العام شهد تسارعا محموما من قبل الاحتلال الاسرائيلي وحليفته ادارة ترامب في محاولة لتصفية القضية، فقد تسارع بناء المستعمرات ومصادرة الاراضي وتهويد القدس وتواصل حصار قطاع غزة والتضييق السياسي والاقتصادي على شعبنا وسلطته الوطنية، فيما تواصل ايضا الانقسام المأساوي في ساحتنا الداخلية، على الرغم من ان اصغر طفل فلسطيني يدرك ان هذا الانقسام لا يخدم سوى الاحتلال الاسرائيلي وحليفته الادارة الأميركية.
ليس هذا فحسب، بل ان هذا العام شهد نكوص بعض الأنظمة العربية عن التزاماتها وتعهداتها تجاه القضية الفلسطينية، فهرولت لعقد اتفاقيات «سلام» وتطبيع مع هذا الاحتلال الذي يواصل انتهاكاته الجسيمة في الاراضي المحتلة، بما في ذلك القتل بدم بارد لأطفال فلسطين ولمدنيين ليس لهم ذنب سوى رفضهم للاحتلال وتطلعهم للحرية، وبما في ذلك المساس بحرمة الاقصى المبارك الذي يفترض انه خط أحمر للأمتين العربية والاسلامية، وبالتالي باتت قرارات الجامعة العربية ومبادرة السلام العربية، مجرد كلام كتب في الماضي لم يأبه له المطبعون تماما كما لم يأبهوا لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
عام مضى غير مأسوف عليه، الا انه رغم كل ذلك وغيره ورغم استمرار معاناة شعبنا وحرمانه من حقوقه السياسية والانسانية، تبقى مؤشرات الأمل والقوة والثبات لدى أبناء شعبنا بحتمية انتصار نضالنا الوطني وتحقيق أهدافنا المشروعة بهذا الصمود الاسطوري في مواجهة جرائم الاحتلال ومستعمريه وبالتمسك بحقوق شعبنا المشروعة من قبل كافة ابناء شعبنا وقواه الوطنية وقيادته وعلى رأسها الرئيس محمود عباس رغم كل الضغوط والمؤامرات والتهديدات.
وها هو ترامب إلى مزبلة التاريخ بعد هزيمته المدوية في انتخابات الرئاسة الاميركية، وهي هزيمة ليست لشخصه وغطرسته فقط، بل لنهجه السياسي ايضا وتطاوله على أمم وشعوب الأرض بما في ذلك شعبنا الفلسطيني.
وها هو نتنياهو، حليف ترامب، في بداية رحلة السقوط نحو الهاوية وسط ما نشهده من هزة قوية في الساحة السياسية الاسرائيلية وانشقاقات في حزبه الليكود وحزب حليفه «أزرق ابيض» وسط تخبط لم تشهده الساحة السياسية الاسرائيلية منذ قيام اسرائيل.
هم يسقطون وبقي شعبنا العظيم صامدا مناضلا محافظا على هويته وحقوقه، رافضا الخضوع لجبروت القوة او لضغوط أصحاب المال من العرب وغيرهم، ماضيا في مسيرته الشاقة نحو الحرية والاستقلال.
اليوم، وشعبنا يحتفل بأعياد الميلاد المجيد، بمسلميه ومسيحييه، رغم كل الظروف وكل القيود، فانما يوجه رسالة محبة لكل شعوب الأرض ولكل محبي العدل والحرية في هذا العالم، مؤمنا برسالته الحضارية وبمشاركته الانسانية جمعاء في مواجهة كل مظاهر الظلم والاستعمار والاستغلال، ومؤمنا بحقوق الانسان وبمواثيق الشرعية الدولية بعكس أعدائه الذين ينتمون الى عالم مضى، عالم الاحتلالات والتمييز العنصري وهضم حقوق الشعوب ونهب ثرواتها، ولهذا فهو يتفوق في انسانيته وحضارته على مضطهديه المحتلين وحلفائهم في الادارة الاميركية وعلى كل اولئك الذين وقفوا جانبا متفرجين او اولئك الذين هرولوا الى أحضان ترامب ونتنياهو بما يتناقض مع تطلعات شعوبهم.
اليوم نقول لكل أبناء شعبنا بمناسبة عيد الميلاد المجيد، كل عام وأنتم بخير، وكلنا ثقة ان هذا الشعب بوحدة ابنائه مسيحيين ومسلمين وبإرادته الفولاذية سيمضي قدما نحو انتزاع حريته واستقلاله ليعيش حرا كريما في دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.