بقلم : الدكتور سعيد صبري*
أيام قصيرة تفصلنا عن إنتهاء عام الكوابيس 2020 , ونطوى صفحة من الصفحات التى أضرت بنا جميعاً على كافة المستويات السياسية ، الإقتصادية والإجتماعية. فماذا نتوقع فلسطينياً بعام 2021، ربما يخالفني البعض ويتفق معي البعض الآخر ، بظل المعطيات فاٍن العام القادم لن يكون افضل من العام الماضي اقتصادياً على الاقل . نعول كثيرا أن عام 2021 والذي سيأتي برئيس جديد للولايات المتحدة( جو بايدن) عاماً واعداً وقد يكون شكلاً من اشكال التغيير القادمة بالشخوص والمنهجيات فقط لا غير .
ماذا نتوقع من الرئيس الامريكي القادم ان يقدم اقتصادياً للشعب الفلسطيني ؟ سؤال يراود الجميع والكثيرين يعولون آمالأً على عودة المساعدات الامريكية للشعب الفلسطيني للإعادة الحياة الاقتصادية. فهل هذا ما نتطلع عليه للعام القادم ؟، وهل المساعدات الأمريكية للشعب الفلسطيني المخرج الوحيد للوضع الاقتصادي السيء والمتقهقر الذي يعاني منه شعينا الفلسطيني؟ وهل إعادة المساعدات الامريكية ستحيي قطاعات اقتصادية جديدة ام سنبدأ من حيث توقفنا في عام 2017 ؟ وهل لدينا خطط استراتيجية سنقوم بعرضها على الممول الأمريكي لدعمها وما هي؟ مجموعة كثيرة من الأسئلة والتساؤلات التى تدور في أذهان وتطلعات ونقاشات الكثيرين من أبناء شعبنا؟
مع تعاظم الصعوبات والضغوطات الإقتصادية التي نمر بها فلسطينيا من نقص بالأموال الداعمة وجائحة كورونا ومعوقات الإحتلال لكن تمكنا ان نبقي قضايانا الوطنية حية ، لكن لم نتمكن فلسطينيا ان نبني استراتيجية البدائل لتعويض الاقتصاد الوطني عن النقص للدعم الدولي. وفي هذا السايق اود ان استعرض شكل او اشكال التى اتبعتها السلطة بالخروج من هذه الازمة ، فقد رحًلت السلطة الفلسطينية تعليق ايرادات المقاصة على النظام المصرفي الفلسطيني وذلك من خلال الاقتراض لصالح السلطة الفلسطينية ، وتأجيل أو تخفيض او تعليق مبالغ تسديد القروض الخاصة بموظفي السلطة الوطنية وموردي القطاع الخاص، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الائتمان بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية . فقد اظهرت نتائج دراسات اعدت سابقا ان الحصار المالي على الشعب الفلسطيني الحالي لم يكن الأول ولا الأخير وقد اظهرت نتائج الدراسات السابقة في الاعوام 2006-2007 والفترة الواقعة بين 2011-2012 في نفس الإطار فان قدرة النظام المصرفي والخزينة الفلسطينية قادرة على التأقلم مع مثل تلك العقوبات المالية لمدة تترواح بين ثلاثة اشهر الى عام كامل. لكن ماذا قد تعلمنا من تلك التجارب المتكررة وهل استطعنا ان نبني نموذجا يعوضنا عن تلك المساعدات؟
ان المساعدات الامريكيه للشعب الفلسطيني التى بدأت قبل 72 عاماً اي منذ 1948 ولغاية 2020 قٌدرت حسب المعطيات الرسمية ب حوالي 7 مليارات دولار امريكي، وكانت اعلى نسبة دعم حصل عليه الشعب الفلسطيني من قيمة المساعدات عامي 2009-2011 حين وصلت المساعادات الى 890 مليون دولار عام 2009 و830 مليون دولار عام 2011 دعما لميزانية السلطة الفلسطينية وجهودها في بناء مؤسسات الدولة وقد تجاوزت تلك الفترة قيمة المساعدات الامريكية على مدار الاعوام السابقة حيث ان معدل الدعم الامريكي السنوي للفترة ما بعد 2011 وصل بواقع 385 مليون دولار. وبينما لم تتجاوز قيمة هذه المساعدات 100 مليون دولار سنويا قبل 2001، حيث ارتفعت تدريجيا لتبلغ حوالي 200 مليون دولار عام 2007 استجابة للأزمة الإنسانية في أعقاب الانتفاضة الثانية. وتتمحور معظم المساعدات الامريكية على دعم “الانوروا” او وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وبرامج قطاعات حيوية اقتصادية فقد حصل القطاع الأهم فلسطينيا “القطاع الزراعي” ما قيمته 0.4% من القيمة الكلية للدعم الامريكي بين اعوام 2009-2017 ، ففي عام 2009 حصل القطاع الزراعي ما قيمته 2 مليون ونصف المليون دولار بينما في عام 2017 حصل قطاع الزراعي علي 380 الف دولاروذلك حسب المعلومات الرسمية. في حين تحصل السلطة الفلسطينية على ما قيمته 60 مليون دولار سنويا دعما للأجهزة الأمنية وتمكينها للقيام بفرض القانون بمناطق السلطة الفلسطينية. فهل عجزنا عن تأمين ما قيمته 250-300 مليون دولار امريكي للِاستعاضة عن النقص الذي احدثته المساعدات الأمريكيه؟
دروس “الحصار المالي المزدوج او الأحادي” تاريخيا علمتنا ان نبني اقتصاداً مستقلاً وحراً، فهل سعينا لتأسيس ذاك الاقتصاد الحر الخالي من التبعية والمؤثرات السياسية؟ ولكي نستطيع رؤية الامور بنصابها الصحيح علينا ان نجيب بكل واقعية على مجموعة من الاستحقاقات التاليه:-
اولا: هل لدى السلطة الفلسطينية الخطط والٍامكانيات لأنتهاج برنامج يشجع الاقتصاد الفلسطيني المحلي وذلك بتبني برنامج إستثماري وتجاري يزيد من الإيرادات الضريبية الناجمة عن الزيادة بالإنتاج الوطني الفسطيني؟
ثانيا:- هل سعت الحكومة على تبني سياسات تجارية جديدة، لتقليل الإعتماد الحكومي على الايرادات من المقاصة الصادرة من اسرائيل؟
ثالثا:- هل تمكنا من السعي نحو تنويع اشكال الدخل الحكومي من مصادر دولية ( قروض، هبات، منح) لتمويل الاستثمار العام في البنية التحتية والاقتصاد المحلي؟
رابعا:- هل تم اوسيتم تقليل نسبة الإنفاق العام وتقليل الفاتورة الشهرية من رواتب والعمل على تجميد التعيينات الجديدة؟
خامسا: هل قامت وزارة المالية بتشجيع المكلفين الضريبيين بزبادة نسبة إلتزامهم بدفع الضرائب ، او هل قامت الوزارة بتبني سياسة جديدة هدفها توسيع الإيرادات الضربيبة ؟
سادسا:- كيف سنحمي وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين من اّثار مستقبلية متوقعة وحماية مهمتها الإنسانية واستمرار عملها خدمة للإخواننا اللاجئين في مخيمات الوطن والشتات؟
سابعا: كيف سنحمي القدس واهلها اقتصادياً بظل الحملة الشرسة عليها من قبل الإحتلال والهادفة الى تفريغ البلدة القديمة وخارجها من المحتوى الإسلامي والمسيحي المتمسك بترابها؟
ثامنا: هل لدينا ما يشجع الريادية الزراعية ، والتى ستخلق منتجات زراعية وزيادة بالإنتاج المتوافق مع الأسواق العالمية، كي نتمكن من تصديره للخارج، وعلينا العمل لكي نوجه القطاع نحو الاسواق الآسيوية ، وعمل شراكات دولية مع شركات تركية وإقليمية .
نحن نصبو نحو الأفضل للوطن، نحن نسعى نحو الإستدامة ، فلسطين ليست المستحيل، بالتعاون مع كل أطراف ذات العلاقة نستطيع ان نحيي الوطن .
*مستشار اقتصادي دولي- وشريك إقليمي لصندوق دعم المبادرات- فاستر كابتل –دبي