بعد إقامة جدار الفصل العنصري عام 2002، تمزقت الأراضي الفلسطينية، وعُزلت القدس عن بقية الضفة، وهُجر عشرات الآلاف من أهلها إلى الضواحي وخلف السور العازل، فيما تحولت مدينة قلقيلية إلى سجن كبير، وحرم الاحتلال الأهالي من مقومات الحياة الأساسية، كما حال بينهم وبين أراضيهم الزراعية الخصبة التي كانت تغذي الضفة الغربية بخضارها وفاكهتها المميزة.
وفي هذا السياق، يقول رئيس بلدية قلقيلية د. هاشم المصري لـ”القدس” دوت كوم: “قلقيلية تعيش بالحد الأدنى من مقومات الحياة بسبب إقامة الجدار الذي حرم الأهالي من التوسع في العمران أو الزراعة ، فمساحة المدينة صغيرة بالنسبة لعدد قاطنيها، وهي من المدن ذات الكثافة العالية بالسكان على مستوى العالم، فكل كيلو متر يسكنه 12 ألف مواطن على الأقل”.
ويضيف المصري: “حتى الأموات لا مساحة لهم في عملية الدفن، فكان مشروع طمر المقبرة والدفن فوق الجزء الذي تم طمره، إضافة إلى عملية خنق للسكان على مدار الساعة”.
بدوره، يقول المهندس أحمد عيد، مدير عام مديرية الزراعة في محافظة قلقيلية: “الجدار على مستوى الضفة الغربية عزل 140 ألف دونم. وعلى مستوى محافظة قلقيلية عزل قرابة العشرين ألف دونم، وهي أراضٍ زراعية خصبة، ويتم الدخول إليها ضمن إجراء أمني إسرائيلي مشدد”.
ويقول محمد أبو الشيخ، مسؤول ملف الاستيطان في المحافظة: “الجدار خلق وضعاً مأساوياً على أهالي قلقيلية بشكلٍ خاص، وعلى المحافظة بشكل عام، فآبار قلقيلية الارتوازية عُزل معظمها خلف الجدار، وهي كنز تاريخي للمحافظة، ويعود عمر هذه الآبار إلى ما بعد النكبة مباشرة، إضافة إلى أن التوسع العمراني محدود جداً، ولا يفي بالزيادة الطبيعية للسكان”.
وفي الإطار ذاته، وبعد إقامة الجدر العنصري حول مدينة القدس، عزل الاحتلال أكثر من 120 ألف مواطن مقدسي خارج المدينة، وذلك للتقليل من الكثافة السكانية داخلها، حيث يشكل المواطنون ما نسبته 37% من مجموع السكان في المدينة المحتلة.
وكانت شركة “جيحون” الإسرائيلية هددت بقطع المياه وتقليص الكميات المخصصة لهذه التجمعات بذرائع واهية، فيما اعتبر المواطنون في التجمعات السكانية خلف الجدار أنّ هذه الخطوة تندرج ضمن سياسة التضييق وإجبارهم على الرحيل.
ويقول فخري أبو ذياب، عضو لجنة الدفاع عن القدس والمقدسات، لـ”القدس”: “نحن أمام سياسة عنصرية مقيتة من قبل الاحتلال من خلال تجفيف مقومات الحياة لدى المقدسيين، سواء داخل الجدار أو خارجه، فالاحتلال بعد عزل أكثر من 120 ألف مقدسي عن المدينة خارج الجدار يُريد الآن ترحيلهم عن محيط القدس، حتى لا يعودوا إليها مرة ثانية ، فالخطوة الأولى كانت العزل والخطوة الثانية سحب المواطنة والهوية الزرقاء ، حتى لا يكونوا من ضمن سكان المدينة .”
وأضاف: إن شركة جيحون تريد قطع المياه عن المواطنين المقدسيين ونسبة الأطفال تصل إلى 65% من مجموع السكان في تلك المناطق، وقد تحدث مدير الشركة مع مسؤول الأمن القومي في هذا المجال، وهذا يدلل على أن الأمر سياسي بحت وليس مالياً، فمخيم شعفاط يتم دفع المياه عن السكان فيه من قبل وكالة الغوث ، فلا مشكلة مالية، بل الأمر يتعلق بسياسة الترحيل والطرد عن محيط القدس وسحب المواطنة، فالاحتلال يخشى من عودة المقدسيين القابعين حالياً خارج الجدار”.
وأضاف: “نحن كمقدسيين مطلوب منا اثبات المواطنة من خلال ما يسمى بضريبة “الأرنونا”، وكذلك إظهار فواتير المياه، وإذا تم شطب الفواتير من المقدسيين خارج الجدار، فهذا يعني أنهم سيكونون مستهدفين بسحب المواطنة المقدسية، كما أن إثبات المواطنة في الأصل قرار عنصري بحت”.
أما المواطن عزام عوض (65 عاماً) من كفر عقب، شماليّ القدس، فيقول: “قطع المياه أو تقليص الكميات يأتي ضمن إطار دفع السكان على التخلي عن مواطنتهم في القدس والبحث عن مكانٍ آخر، ففي البداية شجع الاحتلال خروج المقدسيين إلى الأحياء الموجودة خارج الجدار، ولم يشدد إجراءاته ضدهم حتى يشجعهم على الخروج من المدينة المقدسة، وعندما انتقل الآلاف منهم إلى المكان بدواعٍ اقتصادية، قام الاحتلال بفرض شروطه عليهم لمنعهم من العودة، فنحن ندفع الأرنونا، وهي ضريبة المسقفات، ولا تقدم لنا بلدية الاحتلال في القدس أي خدمات، ونضطر لدفعها حتى نثبت المواطنة، واليوم يأتي دور فاتورة المياه للتخلص منا كمواطنين”.
إلى ذلك، قال عماد عوض، رئيس بلدية كفر عقب: “شركتا “جيحون” و”ميكروت” تريدان من هذه السياسة العنصرية منع أي تواجد مقدسي في هذه المنطقة التي هي جزء من القدس، وعند تقليل المياه على المواطنين في المنطقة يعني أن معاناة أكثر من 120 ألف مقدسي ستكون حاضرة مع كل طفل وامرأة ورجل كبير في السن، فالحرب متنوعة علينا، ونحن كبلدية نتعامل مباشرة مع شركة المياه الفلسطينية التي تأخذ المياه من “جيحون” و”ميكروت”، وأي تقليل في الكمية سينعكس علينا مباشرة، لأن شركة المياه الفلسطينية عبارة عن ناقل، ولا تسيطر على المياه بفعل الاتفاقيات السياسية مع الإسرائيليين”.