بقلم: الدكتور عدلي قندح
ودعنا قبل ثلاثة أيام العام 2020 بكل ما فيه من مفاجآت وأحداث جسام، بدأت صحية ثم أصبحت اقتصادية ومالية، وغدت اجتماعية ونفسية. أحداث ألمت بالبشرية جمعاء على مدار العام 2020 بشهوره التي شعرنا بطولها وعتمتها واغلاقاتها وصعوبتها: أيام وشهور زرعت فينا قلقاً لم نشعر به طوال حياتنا.
أحداث السنة المنقضية قادها فيروس لعين لا يُرى بالعين المجردة، أطل برأسه من الشرق، من مدينة لم يكن العالم يسمع بها حتى غدت أشهر مدينة على وجه الارض في غضون أيام قليلة، انها مدينة أوهان الصينية.
أثارُ تلك الاحداث سُجِلتْ الكترونياً، وطُبِعَ منها نسخ على الورق في سجلات أرشيف تاريخ الانسانية، وفي سجلات المستشفيات والمختبرات ووزارات الرعاية الصحية، وسُجِلت أيضاً في محاضر اجتماعات، دونت عن بُعد لأول مرة بتاريخ البشرية، ليس امتثالاً لقوانين الحوكمة الرشيدة، وإنما امتثالاً لشروط تباعد اجتماعي قاسية فرضها ذلك الفيروس اللعين. وسُجلت أيضا في موازنات خزائن الدول وبنوكها المركزية وفي سجلات أضخم المؤسسات المالية الدولية المنتشرة في العالم.
خَسِرَ العالم جراء تلك الاحداث حتى نهاية العام 2020 أكثر من 1.8 مليون نفس بشرية، كان نصيب الاردن منها وفاة أكثر من 3850 انسانا، رحمهم الله جميعاً، والامر الايجابي في مجمل اصابات كورونا في الاردن شفاء أكثر من 90 % من الحالات.
قدّرَ صندوق النقد الدولي تكلفة جائحة كوفيد19 على مستوى الاقتصاد العالمي بحوالي 28 تريليون دولار بالحد الاعلى وبحوالي 11 ترليون دولار بالحد الادنى، وهذا يعادل ما بين 13 % الى 33٪ من الناتج المحلي العالمي. ويقدر حجم الخسائر في الناتج المحلي الاجمالي في الاردن بحوالي 1.7 مليار دينار، أو حوالي 5 % من الناتج المحلي الاجمالي خلال العام 2020.
أثار الجائحة كانت واضحة على معدلات البطالة (أعلى من 22.1 % للثلاثة أرباع الأولى من العام 2020) والمديونية (32 مليار دينار 105.8 % من الناتج باستثناء الفوائد) والنفقات على الصحة والرعاية الصحية وارتفاع كلف بناء المستشفيات، وكانت الاثار مكبوتة على معدلات التضخم فلم تتجاور 0.4 % للعشرة أشهر الأولى من العام 2020، جزءا من التضخم المكبوت الناجم عن تراجع أسعار النفط العالمية وبالتالي تراجع مساهمة التضخم المستورد في معدلات التضخم المحلية. وكانت الاثار كبيرة وملحوظة في قطاع السياحة الذي تراجع بنسبة 73.9 % خلال العشرة شهور الأولى من 2020، وتراجع حوالات العاملين بالخارج بنسبة 9.3 % للفترة نفسها.
العديد من المؤشرات الصحية العالمية المتعلقة بالمطاعيم والتي بدأت في الظهور خلال الاسابيع القليلة من العام 2020 تشير الى احتمالية وجود آمال كبيرة للسيطرة على الفيروس. وهذا يعني بدء عودة كثير من القطاعات الاقتصادية لوضعها شبه الطبيعي خلال الربع الأول من العام الجديد 2021. وأيضاً توقع عودتها الى أوضاعها الطبيعية الكاملة في الربع الثاني، مما يعني بدء تحرك منحنيات العرض والطلب بشكل طبيعي من جديد في منتصف هذا العام وعودة النشاط العام للاقتصاد العالمي مع بعض التحفظ البسيط على بعض النشاطات وخاصة السياحة والنقل والتعليم.
أن العام 2021 هو عام الأمل والانطلاق من جديد، وخاصة أنه يصادف الذكرى المئوية الأولي لتأسيس الاردن. وهذا يعطي جرعة قوية من الأمل ويتطلب من كل الجهات المعنية في المملكة استخدام الادوات المتاحة بحوزتها باقصى طاقة ممكنة لاستغلال الفرص والتركيز على التوسع في المشاريع القائمة واستقطاب المزيد من الاستثمارات العربية والاجنبية وتشجيع الاستثمارت المحلية.
ونأمل أن نرى حركة أوسع من التسهيلات المصرفية تجاه النشاطات الاستثمارية التي تسير بالاردن نحو تحقيق الاكتفاء من الطعام والشراب والطاقة، وهذه تتأتى من تمويل الاستثمار في ثلاثة قطاعات اقتصادية مترابطة وهي الزراعة، أو الصناعة الغذائية، والمياه والطاقة، لنرى أثارها على النمو الاقتصادي بشكل أوضح. كل ذلك مع الدعوة لعدم نسيان تقديم الدعم لتغطية النشاطات التشغيلية في بعض القطاعات اذا ما استمرت الحاجة لذلك. فمن يفلح ارضه تكثر غلة خبزه، ومن يلاحق الاوهام لا يرى غير السراب. كل عام والاردن بألف خير.
عن “الغد” الأردنية