بقلم : حمدي فراج
لفت نظري ، كما نظر آخرين كثيرين ، ردود فعل حانقة على رائدة الفكر والعلم والادب الدكتورة نوال السعداوي ، التي رحلت مؤخرا عن تسعين حولا ، بمعنى انها شبعت من عمرها حتى عافته ، وفق الشاعر الكبير “ابو العلاء” المعري :”تعب كلها الحياة فلا أعجب الا من راغب في ازدياد”، ومع انسانة مثلها فقد واجهت وجابهت الكثير الكثير من “تعب الحياة” ، ابرزها انوثتها، اي انها أنثى ، حين تحسست اعضاءها فوجدتها على هذه الشاكلة ، فما ذنبها ؟ ولهذا ، حسم المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد ان التمييز بين الذكر والانثى هو تمييز عنصري .
اكتشافها انوثتها ، حولته نوال السعداوي التي اصبحت طبيبة في امراض الصدر عام 1954، الى فتح متجدد أجهزت فيه تقريبا على ختان الاناث ، رجعت الى التاريخ ، فوجدت ان الانثى هي الاصل ، ووضعته في كتاب نوعي يحمل هذا العنوان ، اين يتشكل الانسان ويتخلق ويتكون الا في رحم ، وبعد ان يأتي الى الدنيا ، من أين يأكل حليبه . لم يكن حليب النيدو والنستلة قد عرف طريقه الى افواه الرضّع بعد .
اعتقلت نوال السعداوي في سجون السادات ومبارك ، لاسباب سياسية ، فقد ناهضت اتفاقية كامب ديفيد ، وكان الحبس أهون الشر بالنسبة لها، حظر “الازهر” العديد من كتبها ، كفّرها واعتبرها مرتدة ، في مقدمة لقتلها، وأخيرا طالب زوجها بتطليقها ، فما كان منهما الا قبول استضافة هولندا “بلد الكفر” لها، معززة مكرمة ومحاضرة في احدى جامعاتها ، لم يبق أمامها خيار الا ان تترك وطنها مصر “بلد المسلمين بدون اسلام” الى هولندا “بلد الاسلام بدون مسلمين” ، وعندما انفجرت الثورة عادت واعتصمت مع المعتصمين في ميدان التحرير . وسرعان ما خرج اصحاب الكهف من معبدهم وقفزوا على السلطة ، وكان اهم ما عزموا على تغييره ، تنقيب تمثال “أم كلثوم” ، اما في ليبيا ، فكان أهم ما بشروا به هو اعادة العمل بتعدد الزوجات، وفي تونس افتوا بنكاح الجهاد، وتزويد المجاهدين في سوريا بالنساء .
تعد نوال السعداوي التي نالت العديد من الجوائز العالمية بما في ذلك ترشيحها لجائزة نوبل في الاداب ، واحدة من أهم وأبرز المفكرات العربيات في التاريخ العربي كله ، بل انها تفوقت على الكثيرين من المفكرين الذكور الذين ادعوا الفكر والتقدم واحتكروا ناصياته على مدى “١٥” قرنا ، ومع ذلك طالب البعض بعد رحيلها بضرورة تشقيفها، “تقطيعها” … لطالما قد قطّعوا وذبحوا وأحرقوا واغتصبوا خلال العقد الاخير . احدهم كتب : سينطفيء شعاعها التافه مع زوالها تحت التراب ، ثالث سأل: نحن ماذا استفدنا منها؟ ، رابع : أين الفكر في كتبها سوى الترويج للاباحية؟ . وذكرني هذا بمن حاول اغتيال نجيب محفوظ عن روايته “اولاد حارتنا” : سؤاله في التحقيق ان كان قد قرأها ، فأجاب : انا أمي لا اقرأ ولا أكتب .
مما علّـمته نوال السعداوي ان الشرف ليس بين الرجلين بل بين الشفتين . فهل من يتعلّم ؟؟؟