رحيل “الترامبية”… لا تحتفلوا مبكرا!

6 يناير 2021آخر تحديث :
رحيل “الترامبية”… لا تحتفلوا مبكرا!
رحيل “الترامبية”… لا تحتفلوا مبكرا!

بقلم: الدكتور أسعد عبد الرحمن

ثمة احتمال بترشح الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) للانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2024، أو أقلها ترشح أحد المقربين منه الذين يؤمنون بسياساته سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. ولعل ما يؤكد ذلك ما جاء على لسان عضو الشيوخ الجمهوري البارز (لينزي غراهام) الذي أعلن أنه “سيشجع ترامب في حال خسر الطعون القضائية على الترشح مجددا في 2024 لإبقاء حركته السياسية على قيد الحياة”. وكذلك، ما صدر عن الصحافة الأمريكية من أن (ترامب) نفسه ناقش مع بعض مستشاريه فكرة الترشح لانتخابات 2024.

مجموع ممارسات وسياسات (ترامب) الداخلية والخارجية أثبتت نجاحه في بناء حركة سياسية لها وجود راهن ومستقبلي والدلائل على ذلك كثيرة. فهو إن ذهب فإرثه باق بعد أن استند إلى قوى فاعلة في المجتمع الأمريكي وأسس واقعا سياسيا سيظل مؤثرا لسنوات طويلة. ومن أبرز هذه الدلائل:

أولا: أزيد من (210) مليون دولار جمعتها حملة الرئيس (ترامب) الانتخابية واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية الشهر الماضي لتمويل الطعون القانونية ضد فوز الديمقراطي (جو بايدن). وهذا مبلغ كبير. بل والأهم أن (ترامب) حصد أكثر من 74 مليون صوت وهو أعلى رقم لمرشح خاسر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

ثانيا: جماهيرية (ترامب) هذه تؤشر على انقسام المجتمع الأمريكي عموديا، وبأن الحركة (الشعبوية) التي يمثلها (ترامب) ليست فقط متجذرة، بل هي مرغوبة ومحبوبة ولها مريدين ومؤيدين لهم قناعاتهم التي يؤمنوا بها، بغض النظر عن طبيعة أفكار هذه القوى سواء أفلنجيكية كانت، أم من دعاة تفوق العرق الأبيض، أو من حركة اقتناء الأسلحة التي تعاظمت قوتها بعد فوز (ترامب) 2016 أو غيرها من حركات اليمين واليمين المتطرف.

ثالثا: أضحى (ترامب)، منذ عام 2016، رئيس “الأمر الواقع” للحزب الجمهوري رغم أنه ليس من قياداته المخضرمين التاريخيين الذين اجتهدوا ومن ثم ترقوا إلى قمة الحزب. وقد ظهر تأثيره الخاص عندما نجح أول مرة في الانتخابات الداخلية للحزب في الانتخابات الرئاسية رغم غياب وجود رغبة حقيقية واسعة بذلك داخل الحزب الجمهوري. هذا في الماضي. وراهنا، وبعد أن اختطف جماهير الحزب، أصبح (ترامب) بشعبيته الكاسحة وأمواله يتحكم أكثر في رقاب القادة الجمهوريين الذين لا يستطيعون معارضته، لأن الناس معه وهو قادر على المساهمة في نجاحهم أو رسوبهم في انتخابات الكونغرس سواء لمجلس النواب أو لمجلس الشيوخ.

رابعا: جماهير “الترامبية”، التي ما يزال هو قائدها، ترفض الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات الرئاسية، بل أصبحت مرشحة لتكون قوة معطلة لمخططات الديموقراطيين بسبب قوتها وتأثيرها سواء في الكونغرس، أو في الشارع. وستلعب “الترامبية” دورها في الانتقاص من شرعية الرئيس الديموقراطي، زائدا تعميق الأزمة المجتمعية في الشارع السياسي والاجتماعي الأمريكي.

خامسا: عمقت “الترامبية” الفروقات غير الواضحة تاريخيا بين برنامجي الحزبين الجمهوري والديموقراطي بحيث وصلت الآن حد الانقسام الحاد سواء فيها يتعلق بالقضايا الداخلية أو الخارجية. وربما يمكن القول أنه تكرس بين الحزبين ليس فقط خلافات سياسية بل وأيديولوجية وفكرية أكثر تبلورا، يمكنها الحد من قدرات أي رئيس أمريكي ديموقراطي لتطبيق برنامجه المختلف مع ممثلي الحزب الجمهوري، دون موافقتهم أو “التسوية” معهم، وأن “الترامبية” ستكون بالتالي قوة جذب معاكسة في عديد السياسات الخارجية والداخلية للحزب الديموقراطي مستقبلا وبخاصة إن حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم في “مجلس الشيوخ”.

إذن، “الترامبية” حقيقة سياسية ومجتمعية قائمة وباقية معنا لسنوات طالما بقيت ينابيعها موجودة وفي الطليعة منها خوف حقيقي من فقدان الرجل الأبيض السيطرة (مع الزمن) على الدولة وبالذات إن بقيت أبواب الهجرة إلى الولايات المتحدة مفتوحة كما هي تاريخيا.