بقلم: روزانا بومنصف
في الرسالة التي نشرتها صحيفة “الواشنطن بوست” يوم الاحد في الخامس من الشهر الجاري والتي وجه فيها جميع وزراء الدفاع الاميركيين السابقين الذين لا يزالون على قيد الحياة، وهم 6 جمهوريين و4 ديموقراطيين، رسالة موحدة طالبوا فيها بانتقال سلمي للسلطة مؤكدين ان ” الانتخابات الرئاسية انتهت وتم التعامل مع التحديات المناسبة وصدق حكام الولايات على النتائج” واعلنوا معارضتهم اي انخراط للقوات المسلحة في عملية الانتقال السياسي الجارية في الولايات المتحدة”، بدا ذلك معبرا بالنسبة الى مراقبين في واشنطن نقلوا انطباعاتهم الى ديبلوماسيين في لبنان عن مخاوف من افتعال فوضى يعمد من خلالها الرئيس الحالي #دونالد ترامب الى احياء العمل بالقانون العرفي او القانون العسكري من اجل ان يبقى بالسلطة تحت وطأة حدوث مشكلة كبيرة تتمثل في حصول تهديد للمؤسسات بحيث يمنع التصديق على فوز الرئيس الاميركي المنتخب #جو بايدن في #الكونغرس الاميركي. كان هذا يبدو في الافق السياسي وتم توقعه ما اثار التساؤلات وعلامات الاستغراب عن عدم تحصين الكونغرس امنيا تجنبا لما حصل. من هنا كانت المخاوف كبيرة وبناء على معلومات وثيقة لدى هؤلاء من احتمال اللجوء الى استخدام الجيش الاميركي في نزاع انتخابي في الوقت الذي يجب ان يبقى في منأى عن اي خلاف ما “سيأخذنا الى منطقة خطرة وغير قانونية وغير دستورية”.
ويبدو بالنسبة الى هؤلاء المراقبين ان ما حصل من اقتحام للكونغرس الاميركي اثار مخاوف كبيرة من هذا السيناريو كان يمكن تبيانها في رد الفعل القوي الذي احدثه ذلك في واشنطن بالذات سياسيا واعلاميا ولدى الحزبين الديموقراطي والجمهوري والذي ساهم في اجهاضه قيادات من الاخير وفي مقدمهم نائب الرئيس مايك بنس ومن لحق به من الشيوخ الجمهوريين الذين استشعروا المخاطر الجسيمة لما قد ذهبت اليه الامور وما قد تستدرجه داخليا. ولكن يمكن تبيان هذه المخاوف الكبيرة ايضا في الصدمة التي اصابت العالم كون الولايات المتحدة قائدة العالم الحر ايا تكن الخلافات معها وقد اصاب الوجوم قادتها لا سيما منهم قادة الدول الحليفة والصديقة لان ما حصل يمكن توقعه وقبوله في دول العالم الثالث كما صرح اكثر من مسؤول اميركي ولكن ليس في الولايات المتحدة الاميركية لان اصابة الديموقراطية الاميركية بالطريقة التي تم التصويب عليها يهدد الديموقراطيات كلها ويشجع الشعبويين واصحاب الايديولوجيات المتطرفة على التشبه وتنفيذ ما حصل في اميركا في اي استحقاق انتخابي مقبل. فكما ان وصول ترامب الى السلطة قبل اربع سنوات شكل رافعة للشعبويين واعطاهم زخما غير مسبوق في دول عدة من بينها دول اوروبية وفي اميركا الجنوبية، فانه يمكن ان يقدم لهم نموذجا في الامتثال لنتائج الانتخابات وعدم الاعتراف بها لا بل محاولة الانقلاب عليها ايضا. وفي اي حال فان الزعماء الغربيين لم يخفوا صدمتهم وكانت لهم مواقف معبرة سريعا رافضة للانقلاب ودافعة في اتجاه الاقرار بنتائج الانتخابات الاميركية والتسليم بها. ويقول المراقبون انه يمكن القول بصدق ان العالم باسره وليس فقط العالم الحر اهتز على وقع اهتزاز الديموقراطية الاميركية.
ايا تكن مواقف الدول من الولايات المتحدة حليفة كانت او عدوة فهي تنتظر وتتوقع من واشنطن ان تعطي شهادة بالمعايير الديموقراطية الصحيحة قياسا الى سلم القيم لديها في هذا الاطار. وهذا الامر يكابر عدد كبير من الدول في شأنه ويرفضه ولكنه واقع ارسته الولايات المتحدة بقوة. ويعتقد ان صدقية الولايات المتحدة على الصعيد العالمي في هذا الاطار قد تأذت بشدة وتلقت ضربة قاسية يصعب ترميمها لسنوات عدة مقبلة بحيث ان دولا كثيرة في العالم ومن بينها دول في المنطقة لن تهاب التقويم الاميركي لادائها السياسي كما في السابق علما ان واشنطن لم تتأخر في تصحيح المسار الديموقراطي بسرعة في جلسات متواصلة للكونغرس صدقت على فوز بايدن كما في توجيه الرسالة المناسبة حول ذلك اي حماية الديموقراطية الاميركية. لكن الضرر الكبير قد وقع، اذ ينبغي الاعتراف بان الشعوب كانت تتطلع الى الولايات المتحدة من زاوية ان نظامها السياسي هو نموذج للديموقراطيات وان الاداء الرافض ولاحقا الانقلابي للرئيس الاميركي لا يمكن ان يحدث الا في دولنا اي في جمهوريات الموز حيث لا يقبل الزعماء او الرؤساء الاعتراف بالخسارة في الانتخابات وينقلبون على الدستور او يستخدمون الجيوش ويقتلون شعوبهم ويضحون بهم من اجل مصالحهم السياسية والخاصة. والانتكاسة الديموقراطية يفيد منها ايضا من ينبذون النظام الديموقراطي كما في تعليق الرئيس الايراني حسن روحاني عن حادث الكونغرس وكذلك تعليق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هذا لا يقلل في الوقت نفسه من المشكلة الكبيرة في الولايات المتحدة بجزئيها اي: تلك التي عبر عنها اقتحام الكونغرس من حيث الشعبوية التي يعتمدها ترامب والمنتشرة في دول عدة في العالم والتي تترجم باشكال من العنصرية والعصبيات الدينية الضيقة لليمين المتطرف الرافض للمهاجرين والعولمة وفرص العمل، وتلك التي تم التعبير عنها في واقع ان هناك 70 مليونا من الاميركيين صوتوا لترامب وجاراه مسؤولون في الحزب الجمهوري في رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية.
فهذا انقسام كبير للمجتمع الاميركي سيلقي بثقله على الرئيس المنتخب الذي يرث من سلفه توترا داخليا كبيرا يضمر ما قد تذهب اليه فئات من الشعب الاميركي بتحريض سياسي في حين انه سيحتاج الى طمأنة هذه الفئات ويحول دون تقديم ما يمكن توظيفه في هذا الصراع الداخلي في المستقبل القريب.
وكان يمكن لترامب ان يترك ارثا مختلفا لادارته غير الانقلاب على الدستور الاميركي كما لسلفه خصوصا انه وعلى رغم اداء مفرط او مبالغ فيه في الخارج في مسائل كثيرة فانه ترك اوراقا قوية له في السياسة الخارجية ان في العقوبات المتعددة على ايران والتي يمكن ان يستفيد منها بايدن في عودته الى التفاوض مع طهران او في التطبيع بين الدول الخليجية والعربية مع اسرائيل.
عن “النهار” اللبنانية