بقلم: هاني المصري
الجزء الأول…
أخيرًا، صدرت المراسيم الانتخابية، وهي خطوة إيجابية كون الانتخابات حقًا واستحقاقًا طال انتظاره، وكون المراسيم تضمّنت موادَّ عصرية وأزالت بعض العقبات، إلا أن بعض موادّها أثارت اعتراضات جدّية.
ولكن السؤال المطروح: هل يسير قطار الانتخابات إلى محطاته الثلاث، أم سيتعرقل قبل الوصول إلى محطته الأولى أو محطتيه الثانية أو الثالثة؟ وهو سؤال مشروع، لأنه سبقت هذه المحاولة محاولات كثيرة باءت بالفشل، والمؤمن لا يلدغ من حجر واحد مرتين، فكيف بعشر مرات؟
لا شك أن هناك متغيرات متلاحقة حدثت مؤخرًا على خلفية سقوط دونالد ترامب وفوز جو بايدن، ووصلت ارتداداتها إلى المنطقة والإقليم ومختلف بقاع العالم، وكان لا بد أن تطال هذه الارتدادات فلسطين كما ظهر في تحرك ملف الانتخابات بدعم وتشجيع مصري وقطري وتركي وروسي، للحاجة الملحة لتجديد شرعية السلطة المتآكلة، وتأهيلها للمرحلة القادمة وإحياء عملية التسوية، وإيجاد قيادة منتخبة من دون أن ترتبط بإنهاء الانقسام، ولكن هل المصلحة الوطنية الفلسطينية في تجديد شرعية الوضع القائم واستنساخه أم في تجديده وتغييره وإصلاحه. وهل المصلحة في العودة إلى عملية من دون سلام وتصب في خدمة الاحتلال؟
سيركز البحث في هذه الورقة على السيناريوهات المحتملة والعراقيل التي تقف أمام الوحدة، وتلك التي تظهر حول هل الانتخابات هي المدخل للحل أم أنها ليست المدخل المناسب ولا المضمون لتحقيقها، بل يمكن أن تكون الانتخابات نوعًا من الاعتراف بالانقسام وإدارته إذا لم تتم في سياق إنهاء الانقسام.
السيناريو الأول
نجاح الجهود الفلسطينية وإجراء الانتخابات: يقوم هذا السيناريو على نجاح الجهود الفلسطينية وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، على أن يتم الاتفاق على كيفية تمثيل الفلسطينيين في الخارج، لأن الحديث ليس جديًا عن إجراء الانتخابات للمجلس الوطني في الخارج، كما يظهر في عدم البدء بالتحضيرات الضرورية، مثل وضع قانون للانتخابات بخصوص فلسطينيي الخارج، والشروع في إعداد سجل للناخبين، وتشكيل لجنة انتخابات مركزية أخرى أو تكليف القائمة بالإشراف عليها، ولا جرى البحث – وهذا هو الأهم – في إمكانية إجراء الانتخابات مع الدول العربية والأجنبية التي يقيم فيها فلسطينيون، وخصوصًا الأردن الذي يقيم فيه أكثر من 4 مليون فلسطيني، معظمهم حاصل على الجنسية الأردنية.
وأكثر من ذلك، تضمن المرسوم الحديث عن إجراء الانتخابات حيثما أمكن، ولكن التحضير الحقيقي والنية الفعلية يتمحور حول الاتفاق الفصائلي على اقتسام التمثيل ضمن نظام الكوتا الفصائلي. وهناك حل بوضع أسس ومعايير موضوعية لتمثيل الفلسطينيين في الأماكن التي يتعذر فيها إجراء الانتخابات.
هذا السيناريو له فرصة قليلة بالنجاح لا تزيد حتى الآن عن 20-30%، ويمكن أن تزيد إذا نجح الحوار الفصائلي للاتفاق على آلية إجراء الانتخابات، وخصوصًا على محكمة الانتخابات، وتأمين الانتخابات أمنيًا، وكيفية خوضها في قائمة مشتركة، أو قوائم متنافسة، أو قوائم غير مكتملة (أي عبر الاتفاق أن تضم قائمة حركة فتح مثلًا 40% من العدد الكلي لأعضاء المجلس التشريعي، وكذلك حركة حماس أو أقل قليلًا).
ويتعزز نجاح القائمة المشتركة إذا اتفقت “فتح” عليها، لأنها غير جاهزة، وتعاني من الخلافات على مواضيع كثيرة، وتخشى من خوض الانتخابات بقوائم عدة تؤدي إلى خسارتها، وإذا وافقت عليها “حماس”، التي تشهد انتخابات داخلية للحركة من المفترض أن تنتهي في نيسان القادم، وتشهد منافسة حامية حول من القائد والقيادة الجديدة، وما التغييرات التي ستقدم أو لا تقدم عليها، ويزيد من فرص الانتخابات إذا لم تقف العوائق الخارجية، خصوصًا الإسرائيلية والأميركية و”العربية” لها بالمرصاد.
إن القائمة المشتركة تضرب جوهر الديمقراطية التي تستند إلى التعددية والتنافس بين برامج عدة، ولو كانت “المشتركة” في سياق الوحدة على أساس شراكة وبرنامج مشترك، وردًا فلسطينيًا على العراقيل الخارجية، خصوصًا التي يضعها الاحتلال، وشروط اللجنة الرباعية، فحينها يمكن النظر فيها، ولكن وظيفتها الأولى الآن قطع الطريق على قوائم ووجوه جديدة، والخشية من الخسارة، والسعي لضمان الفوز، ولو عن طريق بقاء القديم على قدمه.
يتفرع من هذا السيناريو سيناريوهين فرعيين: الأول، إجراء الانتخابات التشريعية ضمن قائمة مشتركة بمشاركة ممثلين عن “فتح” و”حماس”، ومن يوافق من الفصائل الأخرى والشخصيات المستقلة، ونجاح هذه القائمة إذا كانت مغلقة أو حصدها لأغلبية المقاعد. وفي هذه الحالة ستجرى الانتخابات الرئاسية ضمن ما تم التوافق الأولي عليه بخصوص أن يكون الرئيس محمود عباس مرشحًا توافقيًا للرئاسة، وسيفوز في هذا السيناريو بالتزكية إذا لم يترشح أحد ضده، أو بسهولة على مرشح ضعيف أو مرشحين آخرين ضعفاء.
أما السيناريو الفرعي الآخر، فيتضمن إجراء الانتخابات التشريعية وعدم نجاح القائمة المشتركة نظرًا لوجود قوائم منافسة قوية لها يمكن أن تضم أفرادًا محسوبين على “فتح” وأخرى تضم أفرادًا من “حماس”، ما يمكن اعتباره خرقًا للاتفاق وللأمانة والثقة، ويمكن أن يؤدي ذلك إن حدث إلى الانقلاب من الطرف الخاسر على النتائج أو تزويرها. وفي هذه الحالة ستتوقف العملية عند محطة الانتخابات التشريعية وسنشهد اتهامات متبادلة لعدم وجود الثقة، ولن يصل قطار الانتخابات إلى محطة الانتخابات الرئاسية.
وهنا يمكن الإشارة إلى أن جدية هذا السيناريو مستمدة من إمكانية ترشح قوائم يمكن تشكيلها من تيار محمد دحلان وأخرى من مروان البرغوثي إذا لم يشارك وأنصاره بشكل مناسب في قائمة “فتح” المركزية، وقوائم تضم المستبعدين والغاضبين والمعارضين للنهج السائد مشكلة من عناصر أخرى قيادية وشبابية من حركة فتح، خصوصًا من المجلس الاستشاري مثل نبيل عمرو، وحركة حماس التي تشهد خلافات علنية حول صحة إجراء المصالحة مع سلطة أوسلو، أو صحة إجراء الانتخابات كمدخل للمصالحة ووفق الكثير من شروط الرئيس، وأخرى من اليسار والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وربما قوائم السلام الاقتصادي والعائلات والعشائر.
السيناريو الثاني
عدم إجراء الانتخابات نتيجة خلافات داخلية: يقوم هذا السيناريو على عدم إجراء الانتخابات، وبقاء الوضع على حاله، نتيجة خلافات داخلية في كل من “فتح” و”حماس” وبينهما، والحجة أو الحجج جاهزة للاستخدام من أحدهما أو كليهما، وهي الانقسام وسيطرة “حماس” على القطاع، وما ترتب على ذلك من وجود سلطتين متنازعتين، وقيام الرئيس بإنهاء استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، والعودة إلى العلاقات مع إسرائيل والتنسيق الأمني، واتخاذ قرارات وتعيينات لصالح تعزيز فرص “فتح” بالفوز، أو خارجية بوضع فيتو على الانتخابات من الاحتلال، سواء برفض إجراء الانتخابات في القدس، أو مناطق (ج)، أو عبر اعتقال أو تهديد المرشحين غير المقبولين لمنعهم من الترشح، أو مطالبة المرشحين بالموافقة على أوسلو والتزاماته، وعدم قبول إسرائيلي وأميركي وعربي لمشاركة “حماس” في قائمة مشتركة لخوض الانتخابات، وبالتالي رفض مشاركتها في الحكومة بعد الانتخابات، إضافة إلى رفض محتمل من إدارة بايدن وغيرها لمشاركة ممثلين عن الفصائل المدرجة في قائمة الإرهاب، وهي “حماس” والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها، سواء المشاركة في السلطة عبر الانتخابات أو في الحكومة أو في المنظمة، وذلك قبل أو بعد إجراء الانتخابات، وهذا سيضرب إمكانية إجرائها، ويعزز من احتمال أن إجراءها لن يساهم ولا يكون مدخلًا لإنهاء الانقسام وإنما لشرعنته.
السيناريو الثالث
إجراء انتخابات تنافسية من دون قائمة مشتركة: يقوم هذا السيناريو على عقد الانتخابات بصورة تنافسية من دون قائمة مشتركة، وحينها يمكن أن نشهد أما تنافس قوائم عدة لفتح أو محسوبة عليها، وكذلك لحماس (وإن الاحتمال أقل) التي تشهد انتخابات داخلية المنافسة فيها حامية الوطيس، وفي هذه الحالة لن تكون نتائج الانتخابات التشريعية مضمونة، ويمكن أن تحمل مفاجآت، مثل فوز “فتح” أو “حماس” أو خسارتهما ونجاح قائمة أو قوائم أخرى، بما يقدم خارطة جديدة للمجلس التشريعي لا يهيمن عليها فصيل. وهذا الاحتمال وارد، لأن الانتخابات ستعقد ضمن التمثيل النسبي الكامل، ووسط تراكم الغضب والنقمة من قطاعات واسعة من الشعب على القيادة والقوى، وجراء ما خلفه الانقسام من تداعيات على الحقوق الوطنية والفردية.
كما يتضمن هذا السيناريو خوض الانتخابات بقائمة مركزية قوية لفتح وأخرى قوية لحماس وفوزهما بحوالي 70% من المقاعد، ما يساعد على بقاء الوضع على ما هو عليه، مع حصوله على شرعية صناديق الاقتراع.
وسيؤثر على هذا السيناريو حسم حركة الجهاد الإسلامي لموقفها من المشاركة في الانتخابات التشريعية من عدمها، إذ جاري البحث في هذا الموضوع، حيث يمكن أن تشارك إذا حسم أمر مرجعية الانتخابات: أوسلو أم مرجعية وطنية مغايرة.
السيناريو الرابع: إجراء الانتخابات من دون مشاركة “حماس” وغزة
لا يمكن استبعاد هذا السيناريو كليًا، خصوصًا أن استمرار الانقسام الفلسطيني وتعميقه مفيد للحكومة الإسرائيلية الحالية المتطرفة، التي يمكن أن تقدم على خطوات متطرفة عشية انتخابات الكنيست في محاولة من بنيامين نتنياهو لزيادة فرصه بالفوز بعد انشقاق جدعون ساعر وغيره من قادة الليكود، وتراجع فرص نتنياهو في تشكيل الحكومة القادمة التي ستكون على الأغلب أكثر تطرفًا من الحالية .
ويمكن أن يحدث هذا السيناريو إذا رفضت إدارة بايدن مشاركة “حماس” في السلطة، خصوصًا الحكومة، والمنظمة، وإذا فاز الاتجاه المتشدد في “حماس”، والجدير بالذكر أن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي القادم، صرح بأن الموقف من السلطة الفلسطينية يتوقف على موقفها من التنظيمات الفلسطينية الإرهابية.
بعد عرض السيناريوهات المختلفة، التي لا يوجد فيها حتى الآن سيناريو مرجح، مع أن إمكانية نجاح الانتخابات في محطتها الأولى، وربما الثانية، هو الأكثر احتمالًا، ولكن بنسبة ضئيلة أقل من 50% حتى الآن.
يتبع…